دخان في شارع المطاعم


حمران الحمادي | اليمن
  يتقاطر   جمع كبير من  الناس  مابين  كبير وصغير وموظف وعاطل, مذاق الشاي العدني من مقهى مدهش  يجعل من يشرب للمرة الأولى ان يعود ليستمتع  بمذاق الشاي أيام البرد يزداد الازدحام, سخونته في تلك اللحظة  يجعل من مذاق الشاي استثنائي.  
منذ حلول  الصباح الباكر إلى منتصف الليل ينبعث دخان بائعة خبز الطاوة، والدخان الذي يحدثه المطاعم لوجبات الصبوح والعشاء.
مصطفى بعمر الخمسين عاما يأتي في لصباح الباكر ويعود البيت في الغروب منذ ثلاث سنوات وهو على هذا الحال فعندما تغدق به الهموم ويطفئ  الكون في عينيه يأتي ليجلس في الطاولة امام مدهش, ليلة الخميس الرابعة عصر, تكومت الناس للدخول للمقاهي فسرعان ما اسودت السماء, توحي بأن خطب ما ستحدثه, تساقط المطر, لم يعد المطر فأل خير  بالنسبة لهم فالمدينة لها طقوسها وعاداتها نقيض الريف والقرى أثناء هطول المطر.
    مصطفى جالس  بالطاولة التي تنتصب أمام مقهى مدهش, ويعلوها طربال مصنوع من جلد الحيوان يقى من حرارة الشمس وغزارة المطر, انضم إليه بعض الأفراد كان أحدهم شاب طويل القامة, شفتاه بتقوسهما وحمرتهما الصارخة تظهران مغريتين الشهوة, وعيناه الواسعتان تلمعان بلمعان محروق, وهذا ما اثار استغراب وفظول مصطفى ليقترب منه بحركة بطيئة  ,ليسأله عن اسمه وعمله, فأجاب الفتى إسمي شحرور وعمري عشرون.
توقفت قطرات مطر ليغاد شحرور طاولة مدهش ويجلس بعدها بطاولة تنتصب في المدخل الأمامي من الشارع ,راقبه مصطفى بدقة وخفية ,لتمر من أمام شحرور سيارة بيضاء طويلة , تسير ولا تكاد تمس أرض الشارع بعجلاتها الرقيقة اللينة, وكأن الأرض انشقت وابتلعت شحرور.
شاهد  مصطفى بعد مرور السيارة, شخصا آخر, مفلطح الوجه, ذا شفتين غليظيين, كان كل شيء فيه مثيرا.. تلبك مصطفى, ليذهب وأتى بكوب من القهوة وقعد إلى جوار الشاب, ألقى عليه التحية وسأله هل تعرف شحرور, أجاب لا اسمي بحبوح, بعد مرور خمس دقائق من الحوار, شدت  الريح قواها محملة بالغبار لتعصف بالشارع, فاستمرت العاصف دقيقة ونصف ليختفي بحبوح!!
مرت ثلاث سنوات ومصطفى يتردد دوما بشارع المطاعم, في بعض الأحيان يذهب ليجلس بمقهى سمسرة وردة في السائلة, الرابعة من عصر يوم الاثنين, جوار سينما بلقيس, صادف مصطفى شحرور وتبادلا التحية ومضيا إلى السمسرة, تناولا الحليب وانتهز شحرور طالبا المغادرة ليذهب, باتجاه شارع المطاعم, مر من جوار البنك, مصطفى يتتبع شحرور متخفي بين السيارات, ينظر مصطفى وقد نشبت حريق تحت الجسر لأحد باعة النزين, تدافعت الناس للمساعدة في عملية الإطفاء ,دخان كثيف متجه صوب شحرور إثر الرياح العكسية.
احتمى مصطفى تحت شاحنة, مرت ثواني وينهض وقد اختفى شحرور, ذهب مصطفى إلى مقهى مدهش, شاهد بحبوح قد أكمل كوب الشاي, متجها صوب حديقة التحرير.
امتطى حصان أبيض ليلتقط صورة تذكارية, فتمر دراجة نارية مسرعة يصدر من مؤخرتها دخان كثيف, فينظر مصطفى إلى شحرور من زاوية الخيمة التي تتوسط الحديقة فينذهل من هول ما يراه... بحبوح تحوَّل إلى دخان.
 

 

تعليق عبر الفيس بوك