رَحِم الله ميسون المُلهِمة

خلفان العاصمي

ميسون -رحمها الله- لم تكُن مُجرَّد طفلة ابتلاها الله بالمرض الخبيث، وبسبه ترقُد بالجناح المخصَّص لذلك بأحد مستشفيات السلطنة، بل كانت وهجًا من الإيجابية داخل أجنحة المستشفى، وغُرَفِه، وممراته، ومرضاه، وطواقمه الطبية، والمسانِدة، بل خرج شُعَاع هذا الوهج ليتعدَّى أسوار المستشفى، ويشمل كلَّ بقعة من أرض السلطنة.

ميسون كانتْ علامة فارقة بين أقرانها الذين أصِيبوا بذات المرض -رحم الله من تُوفِّي وشافى من لا يزال على السرير الأبيض- فشدَّت الأنظار إليها ليس تعاطفًا أو شفقة بحالها، بل دهشةً وإعجابًا بما تملكه من روح إيجابية قادرة على تحويل الألم إلى أمل، والمعاناة مع المرض إلى دافعية للتعايش معه.

عرفتُ ميسون بشكلٍ بسيطٍ من خلال مُشاركتِي في بعض الأنشطة التطوعية مع بعض الفرق التي تعمل من أجل هذه الفئة من الأطفال، وعرفتها أكثرَ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بابتسامتها التي ترتسم على مُحيَّاها مع كل التقاطةٍ ترصد لها، وكأنها تقول لنا "ابتسموا رغم كل شيء، فما كتبه الله لن تُغيِّره أيدي البشر"، وكلنا نتذكر مقولتها في أحد مقاطع الفيديو التي صُوِّرت لها: "قد أحببت الحياة التي منحني إياها الله، لم تكن حياة كاملة أو مثالية، لكن لطالما كُنت أتجاهل الحزن فيها حتى يمرُّ، وأتشبث بالجميل كأن لم ينقضِ"، وعبارات كثيرة تحملُ من الإيجابية ما يحتاجها الأصحاء قبل المرضى، تُذيِّل بها كل صورة من صور التعايش مع المرض في حسابها على الإنستجرام الذي يصل عدد متابعيه لأكثر من 40000 متابع؛ لتُسجِّل حضورها في منصات التواصل الاجتماعي كمُؤثِّرة حقيقية، تُقدِّم لنا أجمل الدروس من أجل حبِّ الحياة.

أُطْلِق عليها لقب سفيرة شجعان السرطان، وقد كانت كذلك -رحمها الله- سفيرة مُقِيمة مُتربِّعة على قلوب كل من عرفها بشكل مباشر، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومن عرفها اليوم بعد رحيلها، لتترك أثرًا سيمتدُّ كلما تحدَّثنا عن التعايش مع أي مرض، وهي شجاعة ضِمن فئة الشجعان الذين يخُوضون المعارك بكل بسالة وإقدام؛ فمعركتها مع المرض كانت هي الرابحة فيها، وإن كنا خسرنا روحها الطاهرة صباح أمس.

ميسون.. لم تكتفِ بأنْ تكون حاضرة للفعاليات التطوعية التي تقدَّم لأبطال مرض السرطان، بل كانت هي المُبَادِرة لمثل هذه الفعاليات، فنجدها تتنقلُ رغم المرض من مكان لآخر، تنشرُ الأمل والرضا بما قدَّره الله -عز وجل.

في صَبِيحة رحيلها، نَعَتْها عُمان من شمالها إلى جنوبها؛ فكانت حَاضِرة في حالات وقصص مواقع التواصل الإجتماعي، وتصدَّر وسم رحيلها قِمَّة الترند المحلي في "تويتر"، حاملًا تغريدات تتحدَّث عن تأثيرها وأثرها الذي سيظلُّ باقيًا، داعين لها بالرحمة والمغفرة، وأن تكون طيرًا من طيور الجنة.. اللهم آمين.

خالص العزاء لأصدقائها أبطال وشجعان مرض السرطان في أنحاء العالم، ولكل من سيفقد هذه الروح، وكل من وجد في ميسون المُلْهِمَة المحفِّزة، وقبل ذلك العزاء لأسرتها ولكل محبيها.

تعليق عبر الفيس بوك