حكايات الشاعر زين الباز الأسطورية


جمال قيسي | ناقد وتشكيلي عراقي
الانقلاب الثقافي هو نادر الحصول حتى وإن تقلبت مجريات الحياة، الأمور تسري بالتدرج، بما هي مرتبطة بالوعي؛ لذلك الأجيال تحمل بصمات الماضي؛ مثل الجينات الوراثية، وأنا أُسميه الجينوم التاريخي، مع كل هذا الاتجاه، حدث أن انقلبت الثقافة بشكل جارف، بحكم قوة الخطاب، وتمظهره المادي؛ المتمثل بالكتلة التاريخية؛ لتذوب السرديات السائدة  وتتخلق آخريات، مثل هذا جرى في مرات معدودات؛ ففي خروج النبي موسى وقومه من مصر، بنيت الثقافة العبرانية على هذا الفعل التاريخي، واُخرى بالدعوة المحمدية في الجزيرة، وفِي الثورة الفرنسية التي رافق فعلها انهيار النظام الاقطاعي وثقافته، ومثله في ثورة أكتوبر، على يد البلاشفة، والأخير هو ما يعنينا من حيث هو فعل تاريخي، كمرجعية لبحثنا هذا.
كان زخم المادية الجدلية والتاريخية قوياً؛ لدرجة أنه أحدث شروخاً قوية، في الثقافة البرجوازية، وبدت هيمنتها على وشك الأفول؛ عملت على تغيير نمط الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بشكل دراماتيكي.
في الأروقة  الجامعية  من جامعة موسكو  وجامعة بطرسبيرغ  شكلت حلقتين  بحثيتين  قدر لعملهما، تغيير وجهة  العقل  والفكر، حدث  في هذا الهزيع  من الزمان؛ نعم، هناك لحظات يندفع  فيها  الإنسان  إلى مصاف الخلق؛ جموح  متسامٍ، تلك اللحظات؛ هي  أسمى ما وصلت إليه الإنسانية، في مثل  هذا التوصيف.
حدث  أن قام بعض الباحثين، بركوب الموجة منطلقين بمناهج بحث؛ لم تكن مألوفة ، في الحيّز المعرفي، أو الأوساط الأكاديمية العريقة في علميتها؛ إنها قصة  صناعة  الأدب الحديث، وهي من التأثير المعرفي، لاتقل أهمية، عن اكتشاف الفضاء، أو الرحلة إلى القمر، ولا عن اختراع الكهرباء على يد إديسون وتيسلا، أو ماكينة الاحتراق الداخلي، مثل هذه الاختراعات غيرت وجه الحياة والتاريخ البشري.
وقصة بحوث هؤلاء العلماء الروس لاتقل أهمية عن ذلك؛ بل ربما تتفوق، فقد قام كل من فلادمير بروب، و أوسبنسكي، وياكبسون، وميخائيل باختين، بإعادة النظر في مجمل الأدب ، وأعادوا صياغة  كل شيء.
وكان من نتائج بحثهم ان النص الأدبي هو عالم قائم بذاته، ولايمكن فهمه، أو تفسيره إلا بمعطياته هو، وبمعزل عن كاتبه، إنه الشكل، أو المورفولوجيا، فكل نص يتكون من بنى، تنتظم بعلاقات، وكل بنية لها دور ووظيفة؛ وهذا الشكل البنيوي، وطبيعة وظيفته؛ هو مايميز النص من حيث هو نص أدبي، فكانت الشاعرية (بويطيقا)؛ أي أدبية الأدب، قد نضجت على يد ياكبسون، وكذلك كتب فلاديمير بروب مؤلفه الشهير (مورفولوجيا الخرافة)؛ الذي حلل الحكاية  وبنيتها، وأكد أن التشابه في كل الحكايات عبر التاريخ تنتظم بنفس البنية، (البطل أو البطلة، يخرج، ومن ثم يواجه التحدي (العقدة)، وربما تتلاحق العقد بازدياد التحديات، والمرحلة الثالثة هي الحل ).
لقد كان الفضل في ظهور النظرية البنيوية بجهود هؤلاء العلماء. واليوم ليس باستطاعتنا تحليل أي نص أدبي  دون الاعتماد  على المناهج البنيوية (لم نقل منهج!!؛ بل مناهج؛ لأن كل شكل له بنيته الخاصة مما يعني له منهجه الخاص؛ فالبنيوية  بمعناها الواسع، هي اللامنهجية  المتكررة).

أصل هذا الكلام  في تذكري له؛ هو قصيدة الشاعر زين الباز؛ هذا المتألق  فوق العادة، في عالم الشعر، في قصيدته ترى كل تنظيرات الشكلانيين الروس أمامك، وعلى رأسهم  فلاديمير بروب حاضراً، في القصيدة.
وحيثما يتمكن زين الباز من خلق حكاية بقصيدة، بطريقة تولِّد لديك شعوراً متضارباً، وكأنك تحلق، في عالم أسطوري، يجمع الفزع والفرح، مع كورال موسيقي في ملفوظاته؛ وإذ ينقص من الأفعال حرفاً، حتى يجعل منها، أشبه بالنوابض التي تقذف بك شيئا أشبه بالسحر، حتى إني أعجز عن توصيفها؛ يصنع  في ذهنك صورة غير مكتملة للفهم حتى تسرع للملفوظات الأخرى، لتكتمل الصورة ، ولكن هيهات يتركك، وأنت داخل فضاء النص، تبحث وتتفاجأ، وتتقلب مع أحلامه، يغرقك  في عالمه السحيق، وفِي اللحظة عينها هو ممسك بك، بمخالبه،وهو في أقصى تحليق في أقصى سماء.
تبدأ مقاطع قصيدته بحرف الجر (عن)، بوظيفة المجاوزة؛ ليوحي لك أنه آت ببلاغاته من عالم آخر، أسطوري ويقيني في آن واحد، والباز هنا، كأنه هدهد سليمان؛ موثوق الرواية، طاف البلاد، وأتى بالأخبار، وأصل الحكاية، والتنبير الموسيقي للجمل، شيءٌ ولا الخيال؛ كل جملة مونولوج  موسيقي، تجد عنده كل شيء، حبكة، ومحاكاة، وحكي،،،
هذا الباشق (زين الباز)؛ يقص بحكايات الحجاز ونجد واليمن ، وحضرموت، وظفار، أعشاشه على ابي قبيس، أو عسير، ربما هو سليل الأقيال، أو أحد سمار بئر (برهوت)، وإلا كيف امتلك هذه الرشاقة في توظيف ملفوظاته،،، تحياتي سيدي الشاعر الكبير زين الباز،،،،،
.............................
نص زين الباز:

عن /
حكاية دمعه سالت
أحكي ليكم يا صحابي عن زمن غدار
فرقنا وعن مسافه بعيده
بينا
غردت آمال غلابة
نزفت أحرف كتابه
وقصه طالت ..

بحكي ليكم

عن/
 كلمة نبتت في رحم الوعد
أججت متن الصبابه
غللت روح السعاده
سافرت بين وحوش وسط الغابه..

عن /
ظبية ترجو الأمل في سفوح
لا هماها السقوط من منحدر
أو تنزل الرعود سحابه
في السهول وحوش
إلا فحيح الأفاعي أفظع
  من عواء ذئابة..

قصة فاطمة السمحه والغول

السؤال القاصم ظهر الإجابه
كيف يكون الود
لو كانت عيون الحب مغطاة بعصابه.. وقصه
طالت
يا صحابي
البنية الجورية التائه شارده
لامست يد العذاب
بللت ثري الأرض بدمعة حرقه
علي الحظ العسير  واليوم
الجابا
عن /
عبره تخنق حلقوم الكلمة للساكن
صدر السكون رحي
غلغل بدن الراحه تجرعت كاسات
الصبر لحي
ابدا جبل الحديد من مكانه لا
يتنحي
مهما أصابه
بحكي ليكن يا صحابي

عن/
طفله خطفها الضيم صقر المجاعه
بمخلب نشابه
بين صدغين نامت ثكلي
 جائعه لرغيف الأمان
الوعود النازله مطر ابد لن تطفئ
نار التقابة

وكااان في الأحراش فارس يرعي الفراش
يزمر لحن الود
يهوي القصيد واحتطابه..
سمع أنين طفله في كهف
سد بابه
إلا من صنصون صغير أعلي السقف
ظنه الغشيم يرمي
زاد الحياة للأسيرة
تخجل الأميرات من عنابه..

 

 

تعليق عبر الفيس بوك