مدرين المكتومية
أؤمن بشدة بمقولة "اعتنوا بمشاعركم كما تعتنوا ببشرتكم".. فكما تحتاج البشرة إلى المرطبات لمقاومة ما قد يلم بها من جفاف بسبب الجو أو حتى الظروف النفسية، تحتاج مشاعرنا أيضا ذلك الاهتمام، لكنه اهتمام من نوع آخر، اهتمام يكون في محله حينما يأتي ممن هم قريبون منا، يدركون جيدا ما في دواخلنا، ويتلمسون صدق مشاعرنا بنظرة عين، أو بكلمة واحدة، أو إيماءة غير مقصودة، أو إشارات الأيدي، أو حتى تمتمات الشفايف.. هؤلاء هم القادرون على تطييب مشاعرنا، ومنحها البهجة والسرور، لتصل إلى عنفوانها، فيتزايد هرمون السعادة في داخلنا، فترتسم الضحكات على وجوهنا، فتحلو الحياة، وحينئذٍ لن يستطيع أحد النيل منا.
الجفاف العاطفي وهو على النقيض من البوح العاطفي، معاناة يرزح تحت وطأتها البعض، منهم من يختار أن يعيشها برغبته، ومنهم من يعيشها بفعل الظروف التي يمر بها، فهناك من صنعت منه الحياة شخصا قاسيا رغماً عنه، وحولته لشخص قادر على تمالك نفسه أمام الآخرين دون أن يذرف دمعة على أحدهم، أو أن يبكي فراق من يُحب، أو حتى أن يثور لغياب من يعشق، والبعض الآخر بطبيعته أثر وتأثر بالمُحيط من حوله وبالتربية التي نشأ عليها، فتجده قد اكتسب تلك الصفات الجافة في المشاعر بسبب ما يعيشه من تقلبات حياتية كان لها أثرها في جعله يبدو شخصاً بلا مشاعر أو أحاسيس.
أتعلمون أنّ أجمل ما يملكه الإنسان في الحياة هو إحساسه بالآخر، في قدرته على التعبير عما يختلج في ذاته، عن إيصال رسائل الحب والفرح تجاه من يحب، والأجمل أيضا أن يمتلك القدرة على تحويل الحياة إلى واقع جميل بعيداً عن الجفاف الذي لا يُولِّد سوى انكسارات داخلية تؤثر عليه شخصيا قبل أي أحد آخر.
هناك من يجد في مُعاملته الجافة كبرياء، ومنهم من يعتبر التنازل عنها انهزامية، وآخرون يرونها جزءًا من الدلال، لكني أعتقد أن كل ما سبق لا داعي له، بل علينا أن نعيش كما نحن على طبيعتنا، علينا أن ندرك أن العاطفة أسمى ما يمتلكه الفرد، ولذا يتوجب عليه أن يُعبر عنها بالطريقة التي تجلب له الراحة والطمأنينة والسعادة وذلك الشعور الآخاذ الذي يغرس في أعماق القلب فرحة لا توصف عندما يسمع المرء ممن يحب كلمة صادقة تجاهه، خاصة وأننا بحاجة لكل كلمة صادقة وفعل طيب من الآخرين تجاه أنفسنا، والآخرين أيضا الذين يحبوننا ينتظرون منا مثل هذه الكلمات التي نعبر لهم فيها عن صدق مشاعرنا، ففي ظل الضغوط التي تفرضها الحياة بات الإنسان بحاجة لمن يشعر به، ولمن يقدم له أبسط ما يمكن وهي المشاعر الصادقة والدعوات الطيبة والإحساس الدافئ به ممن يحبه ويرى في عينيه الدنيا بجمالها وروعتها.. نحن نعيش في زمن علينا أن ندرك فيه حجم وأثر لين القلب والمشاعر، علينا أن نتذكر دائما أننا خلقنا بالفطرة أناس طيبين نشعر بالآخر، نتألم لألمه، ونفرح لفرحه، وكل ما نقوم به غير ذلك ناتج عن التربية التي أثرت فينا وما اكتسبناه وعشنا عليه. فالحقيقة المؤكدة أننا نملك كل الحب والعطاء في داخلنا، فما الذي يدعو لإخفاءها إذن وألا نبديها لمن نحب ونخبرهم بها؟! علينا أيضًا أن نتفهم ظروف الآخرين وما يمرون به من مواقف وأحداث تجعلنا نرى جانبهم الجاف، الذي ربما يخفي خلفه شخصية رائعة لا نكتشفها إلا بعد أن يتنازل عن مشاعر الكبرياء والجفاف التي فرضها على نفسه وأوصد وأحكم إغلاقها حتى لا يصل إليها أحد. فلا بديل من أن نعطي لمشاعرنا فسحة كي تتنفس دون أي حواجز وقيود وتقدم كل ما بداخلها بكل حب وعطاء لمن يستحقه.. إنني أوجه كلماتي هذه إلى كل من يختزل في نفسه مشاعر لأحد، أن يبوح بها، لأنه من المؤكد أنه سيسعد بعدها...