الحاجة للتنمية المستدامة المتكاملة

 

عبدالله العليان

تفتتح اليوم الإثنين في العاصمة مسقط، برعاية صاحب السُّمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون العلاقات والتَّعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان، والذي تنظمه وزارة الخدمة المدنية، بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الإدارية، أعمال المؤتمر السنوي الثامن عشر تحت عنوان (دور الحكومات العربية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030)، وبمشاركة كبيرة عربية ودولية.

ولا شك أنَّ هذا المؤتمر الكبير الذي يهتم بقضية التنمية المُستدامة، سيطرح  الكثير من الأفكار والخيارات والمبادرات للمناقشة، من خلال دور الحكومات في هذا المجال الحيوي المهم، فالتنمية المتكاملة (المستدامة)، أصبحت مطلباً ملحاً في مجالات التنمية الإدارية، أو الصحية، أو مجال التعليم، أو التدريب والتأهيل، أو تحقيق الرفاهية المنشودة، ومكافحة الفقر، أوغيرها من الغايات التي تتطلع لها الدول لتحقيق أهداف التنمية عموماً، وجعلها مساراً مهماً في الوطن العربي، لتوطين المعرفة الجديدة، في  تبني اقتصاد يقوم على إيجاد الخيارات والممارسات الجيدة للنهوض الإداري والاقتصادي والمعرفي، ولاشك أنَّ دور الحكومات في هذا الجانب يعد الأهم في هذا المضمار، ويتطلب السعي الجاد لطرح إستراتيجية لتحقيق هذه الغاية.

 فالوطن العربي لا يزال يواجه تحدياً قائماً لاشك في ذلك، سواء في جوانب ضعف استنهاض الموارد البشرية والمادية والعمل على توجيهها التوجيه المناسب، أو في مجال ترتيب خطوات التطبيق العملي للتنمية، حيث إن الكثير من دولنا تعاني من عدم ترتيب الأولويات لمواردنا، التي لاشك كبيرة، سواء البشرية أو المادية، وما هو الأهم والمهم من هذه الخطوات التي نسعى لتطبيقها، وهذا ما جعلنا نواجه معضلة الإخفاقات أحياناً، في المضي في التنمية التي ينشدها الجميع، صحيح أن الجهود قائمة في هذا المضمار، وهذا يتطلب ـ كما أشرنا ـ  في مسألة ترتيب الأولويات، وإيجاد الوسائل الدافعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فالبعض يرى أن عدم نجاحنا النجاح الأكمل الذي نسعى إليه في الوطن العربي، أنه لا توجد أنظمة موحدة لتصورات التنمية المستدامة في كل دولة من الدول، وهذا التعدد والتنوع خلق ربما مصاعب في التطبيق، وهذه تحتاج إلى مراجعة من قبل الحكومات، لتقريب التصورات لأهداف التنمية المستدامة المنشودة.

إنَّ دور الحكومات في التنمية المتكاملة أو المستدامة لهو أهم الأدوار التي من خلالها تستطيع أن تحقق الأهداف المرجوة، لكن هذا يحتاج إلى تحرك جدي وفعَّال لتحقيق هذا الهدف، وأهمها في رأيي إعطاء الطاقات الشبابية المؤهلة، في إدارة الخطط في دولهم، في المجالات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، فالحديث عن الفجوة المعرفية في الوطن العربي معروف ومتداول في الكثير من الكتابات والدراسات التي  تناولت هذه القضية التي ربما أسهمت في تأخير انطلاقتها، ولا نُريد أن نقلل من أهمية جهود المنظمة العربية للتنمية الإدارية في طرح الكثير من الأفكار والدراسات والكتابات في هذا الشأن، لكن ربما المعضلات في جوانب الخطط والإستراتيجيات التي تضعها المؤسسات، وأهمها ـ التي يجب أن توضع في الحسبان ـ وضع إستراتيجية تأهيل الطاقات البشرية، التي هي المعبر الملائم للتنمية المستدامة على أسس سليمة، وتنطلق من خلال منظومة تعليمية أساسها الجودة اللازمة من المراحل التأسيسية، وكذلك التخطيط  للمرحلة الأهم، وهي تنمية الموارد البشرية من تأهيل وتدريب، وهذا القول ليس اكتشافاً عندما يقال عن أهمية الاهتمام بالتنمية البشرية، فهو مدار كل النقاشات من آراء حول نجاح التنمية المستدامة، وأمتنا في أمس الحاجة في الظرف الراهن إلى مثل هذه اللقاءات والمداولات، للخروج برؤى مستفيضة وجادة لتنمية تحقق الأهداف المرجوة.

 ربما الكثير من التحديات التي تواجه واقعنا وهذه حقيقة، لكن ليس هناك موانع قاطعة، تحول دون أن نحقق ما نريد  تحقيقه، والكثير من الدول التي كانت ضمن دول العالم الثالث، نهضت الآن، وأصبحت ضمن الدول الصناعية التي يشار إليها بالبنان، لأن هناك خطط جادة للنهوض من الواقع القائم، وإرادة للتخلص مما رهنت فيه لعقود أو قرون من الزمن، والكثير من التراجع الذي أصاب بعض الدول في قيام تنمية مستدامة، لها أسبابه المتعددة، فكرية وسياسية واقتصادية، "وإذا ما نحن أمعنا النظر ـ كما يقول د.عبد الكريم بكارـ وجدنا أن أكثر المشكلات التي يعيشها الناس لا تعود إلى جذورها المألوفة، وإنما تعود قبل كل شيء إلى نوع من القصور الإنساني، فالمشكلات الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح الشعوب ليس سببها قلة الموارد أو التآمر العالمي، أو ركود الأسواق العالمية، وإنما تصلُّب وارتباك  في الفكر، وسوء تصرف وتدبير، للخروج من المأزق الراهن ... ولذا فإنَّ التفكير المبدع هو الذي يعتمد في حركته واستنتاجاته على مقدمات ومداخل غير مألوفة، وينتهي كذلك إلى حلول غير مألوفة". وهذه الرؤية قد نجد لها مخارج معقولة في ظل الاستنتاجات والأفكار التي تضع المحددات الإستراتيجية للاستدامة وتوحيد جهود إدارتها، وتحديد الأولويات بناء على مستوى قدرات كل دولة من الدول، مع وضع خطط تنفيذية يتم ربطها بقدرات وإمكانيات قابلة للتنفيذ، فإن هذا الأمر سينعكس إيجابا على كل خطط التنمية المستدامة.

ولا شك أنَّ هذا المؤتمر الكبير، سيطرح الكثير من الأفكار والدراسات التي ستنير توجهات الدول والمؤسسات المشاركة فيه، لكن من المهم أيضًا أن تتحول هذه الأفكار والرؤى إلى واقع عملي نشط، يقلص سلبية التعاطي مع الأفكار الجامدة، كمن يلقي بالحجر في المياه الراكدة، وهذا ما نتمناه لهذا المؤتمر.