الاستثمار في المحميات خطوة في الاتجاه الصحيح

 

علي بن سالم كفيتان بيت سعيد

تُوجد في سلطنة عُمان 22 محمية طبيعة يختلف تصنيفها حسب الهدف الذي أنشئت من أجله والجهة التي أنيط بها عملية الحماية، وتشكل المحميات الطبيعية ما نسبته 3,8% من المساحة الإجمالية للبلاد وتشرف على إدارة المحميات في السلطنة وزارة البيئة والشؤون المناخية، ومكتب حفظ البيئة التابع لديوان البلاط السلطاني حيث تقوم الجهتان بجهود مُقدرة لحماية التنوع الأحيائي في مختلف البيئات بالسلطنة عبر الإشراف المباشر على المحميات الطبيعية والقيام بمشاريع بيئية خارج نطاقها لرفد المختصين بحماية البيئة، والمنظمات الإقليمية والدولية، والمخططين على المستوى الوطني بالبيانات الكافية التي يحتاجونها عند رسم الإستراتيجيات الوطنية بحيث توضع الصورة الكاملة لمقومات البيئة الطبيعة في كل مُحافظة وولاية بهدف الحفاظ على الإرث الطبيعي للسلطنة من الاندثار. 

رغم السبق الذي حققته السلطنة في مجال سن التشريعات البيئية، وإنشاء الجهات التي تُعنى بحماية التنوع الأحيائي، ورسم الإستراتيجيات الوطنية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي إلا أنَّ عملية التَّعاطي مع المحميات الطبيعية ظلت ضمن الإطار الضيِّق الذي تجاوزته الكثير من بلدان العالم وهو اعتبار الحكومة نفسها الوصي الوحيد على تلك المناطق وإحاطتها بالكثير من المحاذير التي تُثير حفيظة أفراد المجتمعات المحلية، فنظرة الجهات الرسمية لمدى التدهور البيئي والإفراط في استنزاف الموارد الطبيعية جعلتها تتخذ خطوات صارمة بينما ترى المجتمعات المحلية أنها الشريك الأساسي على أرض الواقع واستثنائها من هذه المعادلة في كثير من الأحيان جلب الجمود لمعظم مشاريع الحماية. 

تقوم اقتصاديات العديد من البلدان اليوم على مابات يعرف بالاقتصاد البيئي الذي يوظف المقومات الطبيعية للاستثمار الاقتصادي المُستدام والذي يضع ديمومة النظم البيئية هدفاً راسخاً على المدى البعيد مع إتاحة الفرصة للمجتمعات المحلية لإدارة واستثمار مواردها الطبيعية بالتعاون مع أصحاب رأس المال البيئي الذين يؤمنون بالأهداف السامية لحماية البيئة والحفاظ على مكنوناتها فالاقتصاد الأخضر بات يجتاح العالم بعد أن أيقن الإنسان بأنَّ أفعاله الانتهازية التي فتحت الباب واسعاً لسلوكياته الجشعة خلال القرن الماضي قد تؤدي إلى هلاك البشرية.

إنَّ المردود الاقتصادي للمحميات الطبيعية في السلطنة لم يشكل أي رقم يُمكن البناء عليه لرفد الدخل القومي طوال العقود الماضية وظل مبدأ الحماية من أجل الحماية سائداً ومع ذلك لازالت الانتهاكات البيئية في مجال حماية الأنواع وموارد المحميات قائمة وهي في تنامٍ مستمر للأسف ونجزم بأنَّه مالم يتم إيجاد أرضية للتَّعاون الفعلي مع المجتمعات المحلية وفتح المجال لاستثمار المحميات فإنَّ هذه المناطق ستتراجع قيمتها البيئية وستتدهور مواردها الطبيعية بمرور الزمن.

لا شك أنَّ هناك عوامل أخرى مؤثرة ومنها تضارب الاختصاصات، وعدم إيمان المخططين الماليين بما تشكله الموارد الطبيعية من رأس مال مستدام ولذلك لا يرون أهمية للإنفاق على تطوير المحميات وتهيئتها لتكون رافدًا اقتصادياً للبلد وربما القائمون على القطاع البيئي لم يكونوا مُقنعين بما فيه الكفاية لتوصل تلك الصورة برداء حديث إلى من يملك قرار الإنفاق على مستقبل الاقتصاد الأخضر في السلطنة.

إنَّ توقيع ديوان البلاط السلطاني ممثلاً بمكتب حفظ البيئة على مذكرة تفاهم مع إحدى شركات القطاع الخاص لتطوير واستثمار محمية الخوير الطبيعية رسم خطوة هامة في مجال استثمار المحميات ورغم أنَّ المخاطرة البيئية لهذه الاتفاقية تكاد تكون منعدمة لكون المحمية تُعاني من زحف عمراني وتقع في قلب العاصمة إلا أنها خطوة هامة ومحفزة بلا شك فالاستفادة من هذا الموقع لإنشاء مركز بيئي للمعلومات، وخلق بيئة مثالية للتعليم البيئي، وتشييد مكاتب ثابتة للإدارة البيئية تعمل بالطاقة النظيفة والعديد من المنشآت الأخرى التي تم الإفصاح عنها على هامش توقيع مذكرة التفاهم فهذا الاتفاق رسم بارقة أمل جديدة للاستثمار المستدام للموارد الطبيعية في السلطنة وننتظر خطوات أخرى أكثر جرأة لمحميات طبيعة أكبر تمتلك مقومات بيئية أكثر بإذن الله تعالى. 

نقطة نظام: المحميات الطبيعية ليست مناطق محرم دخولها بل هي مواقع للإلهام البشري، وحفظ التنوع الأحيائي، ومنح المزيد من الرفاه للمجتمع البشري.