أزمة الكلاب الضالة

د. سمير محمود

قبل نحو شهر من الآن، هاجمت مجموعة من خمسة كلاب مسعورة، طفلًا صغيرًا يلعب خارج المنزل مع إخوانه، قرب أحد أودية العذيبة، فتمكن اثنان من الأطفال من الهرب، لتنقض الكلاب على الطفل الثالث وتنهشه، مخلفة جروحًا خطيرة في الرأس وأجزاء من جسده، وقام الطفلان الهاربان بإبلاغ الأم التي سارعت إلى المكان، ورأت الكلاب مجتمعة على الطفل تنهشه فصرخت بصوت عالٍ؛ لتهرب الكلاب ويسقط الطفل فاقدًا للوعي.

استرعت انتباهي تلك الحادثة المؤلمة، وحقيقة لا أعرف مصير الطفل الذي تم نقله على الفور إلى المستشفى السلطاني الذي حوله إلى مستشفى خولة، وأتمنى للطفل النجاة وتمام الشفاء، وقد تتبعت الموقف في عموم أحياء ومناطق مسقط، فكانت المعطيات صادمة في كل مكان.

ففي الخوض السادسة شكاوى لا تنتهي من الكلاب السائبة وبعضها مسعور، وفي الموالح والحيل شكاوى لا تنتهي من نباح متكرر في أثناء الليل لكلاب شوارع تروع الكبار والصغار، وفي العذيبة حكى لي أحدهم أنه بينما يسير بسيارته نهارًا فإذا بكلب مسعور يقطع عليه الطريق، فيصدمه وتخترب السيارة ويدخل صاحبنا في حالة نفسية لا يعلمها إلا الله.

حكايات أخرى يرددها أولياء الأمور قرب مجمعات المدارس في جميع أحياء ومناطقة العاصمة مسقط، تتقاطع جميعها في نقطة مرعبة مشتركة، وهي أنّ الكلاب الضالة، أو التي تخلى عنها أصحابها طواعية وتركوها للشوارع، باتت تبيت أسفل حافلات المدارس، فما أن تدار محركات تلك الحافلات، تركض الكلاب مفزوعة مجنونة لتهاجم كل ما يعترض طريقها من تلاميذ أبرياء يصادف وجودهم في المكان.

مشكلة الكلاب السائبة أثارت في رأسي عدة أسئلة تستوجب وقفة حاسمة وإجابات قاطعة عنها:

هل تملك جهة ما في السلطنة إحصاءً وحصرًا دقيقًا لهذه الكلاب وأماكنها؟ لمن تعود هذه الكلاب السائبة، وهل كلها كلاب شوارع؟ أم أن بعضها كلاب خاصة تخلى عنها أصحابها أو هربت منهم؟ هل صحيح أن معظمها يرجع لوافدين أجانب أو مقيمين، خاصة وأن عائلات وأسر عمانية كثيرة تمتلك هذه الكلاب إما لأغراض الحراسة أو الترفيه أو مرافقة المكفوفين؟ ما الجهة أو الجهات المسؤولة عن التعامل مع هذه الكلاب والتقليل من خطورتها؟ ما الطرق السليمة لمكافحة كلاب الشوارع المسعورة حتى لا تهب جمعيات الرفق بالحيوان معترضة على قيام البعض بتسميم الكلاب أو قتلها (بالكند) أو بالخرطوش وهم معذورون بالطبع!

أتصور أن الأمر يحتاج تحركا سريعا ومدروسا لمواجهة مخاطر الكلاب المسعورة، ودون انتظار لوقوع كارثة هنا أو هناك، فمن الضروري تكريس الجهود لمكافحة كلاب الشوارع التي باتت تزعج الكثيرين.

إحصاءات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن حوالي 60 ألف شخص يموتون سنويًا على مستوي العالم من مرض السعار، منهم 40% من الأطفال دون سن 15 سنة بسبب لعبهم مع القطط والكلاب. ويتلقى كل عام أكثر من 10 ملايين إنسان على مستوى العالم العلاج الوقائي نتيجة لتعرضهم لحيوانات يشتبه في إصابتها بالسعار. يتم إنفاق  حوالي 560 مليون دولار عالمياً للوقاية من المرض.

ولأنّ لمشكلة الكلاب المسعورة ألف وجه، وجب التنبيه إلى ضرورة التعامل معها بحذر، بدءًا باقتناء الكلاب غير المريضة، وتربيتها في حظائر آمنة وأماكن مخصصة، والحرص على تطعيمها، فضلًا عن عدم إطلاقها بالشوارع، والمحافظة على نظافة المدن والأحياء، وتجنب إلقاء القمامة والمخلفات من عظام ولحوم وبقايا أطعمة بالشوارع، فضلًا عن توعية الكبار والصغار بتجنب التعامل أو الاقتراب من الحيوانات في حالة هياجها، وعلى المؤسسات ألا تترك المواطن وحيدًا يواجه تلك الكلاب ويواجه معها مصيره، في معركة غير متكافئة وغير رحيمة بالمرة، فالصورة الحضارية تستوجب عدم قتل الكلاب بالرصاص أو تسميمها، كما يفعل البعض، خاصة وهناك طرق أخرى أكثر رحمة منها "تعقيم إناث الكلاب" لمنع إنجابها وتكاثرها وإخصاء ذكورها، إضافة إلى تطعيمها ضد السعار، وتلك إجراءات أثبتت فاعليتها في العديد من دول العالم، وإن ارتفعت فاتورة تكلفتها، إلا أنّها أرحم من التهام طفل أو عقر مسن، أو ترويع فتاة، وأرخص مقارنة بانفاق الملايين على علاج عَرض المشكلة، وترك أسبابها حرة طليقة بالشوارع!!

تعليق عبر الفيس بوك