"التربية والتعليم".. نحن منها وهي منا

د. سعيد الحارثي

 

جاء في محكم التنزيل "وقُلنا يا آدمُ اسكُن أنت وزوجُك الجنّة وكُلا منها رغدًا حيث شِئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا مِن الظالمين". وأقول، وعن قناعة قائمة على خبرة امتدت بطول 26 سنة وعرضها، لكل من لم يجد إلا وزارة التربية والتعليم سبيلاً للقدح، "لا تقرب هذه الوزارة فتكون من الظالمين". إن هذا الكيان المؤسسي الضخم ليس أقل من أن نشعر جميعنا بالالتزام تجاهه بكل ما للكلمة من معنى. ولا أعني هنا الالتزام تجاه عموم التعليم فذلك من المسلمات الإنسانية، وإنما أشدد على ما يوجبه علينا المنطق وتوجبه الضرورة تجاه الكادر البشري العامل في وزارة التربية والتعليم بكل تقسيماتها، والذي يتمتع بالمسؤولية والمهنية من أجل تقديم الخدمات لعموم جمهور المواطنين والمقيمين، حتى في أصغر جزء من أرض هذا الوطن الكبير.

إنّ حجم العبء التنفيذي للأعمال التي تمليها الاختصاصات والمسؤوليات المنظمة لعمل هذه الوزارة لا يمكن حسابها ولا حتى المحاسبة عليها، تجاوزاً، في أدق تفاصيلها. ذلك أنّه ليس عبئا مجرداً من تدخل القيم الإنسانية من أجل تحصيل الفائدة المرجوة من العمل في هذه الوزارة. فوالله إنّ تلك القيم والمبادئ لتفرض نفسها بالحضور في كل موقف عمل وفي كل لحظة يقدّم فيها العاملون في جميع تقسيمات هذه الوزارة الخدمات للمجتمع، ابتداء بوزيرة التربية والتعليم ومروراً بالمعلمات والمعلمين الشرفاء، وانتهاء بحارس المدرسة أو بسائق الحافلة أو بعامل النظافة الذي يحرص على أن يستقبل يومياً مئات الطلاب في ساحات نظيفة وفي فصول منظمة وبابتسامة رائعة لم تفرضها عليه الواجبات والمسؤوليات.

أدوار هائلة تتم خارج إطار الاختصاصات الهيكلية للمهن والوظائف المرسّمة لتقسيمات وزارة التربية والتعليم، تفرضها الطبيعة الإنسانية لتلك المهن والوظائف. فكم من تضحيات تدبّ معها الحياة في أروقة المدارس يقوم بها المعلمات والمعلمون، وهي تتجاوز كثيراً أطر صلاحياتهم بل وتتعدى في حجمها طاقاتهم النفسية والجسدية. يقفون أمامها بين مطرقة الواجب وسندان الإنسانية وعصا الوقت الذي يطبق على أنفساهم من أجل تحقيق إنجازات قائمة على مؤشرات أداء صلبة لا تعرف المرونة. يجد المعلمون والمعلمات والمشرفون التربويون والمشرفات أنفسهم في وسط مثلث يضيق بطبيعته يوماً بعد يوم، حتى تأتي نهاية العام الدراسي وقد أكلت أضلاع ذلك المثلث من أجسادهم وشربت. تراهم ملتزمون أيمّا التزام تجاه الحاجات المزدوجة "للطالب"، فبين المجاهدة من أجل تقويم السلوك "التربية"، والكدح من أجل تقديم المعرفة "التعليم". ويأتي الضلع الثاني متمثلاً في المناهج التي تعمل بكل مكوناتها ومعطياتها وأساليب تقديمها وتقييمها، "كضابط" إيقاع للإنجاز والتقدم يوماً بيوم دون غفلة. وفي ضلعه الثالث وهو "الإنسانية" يأتي المثلث على أولئك وقد خلعوا لباس الأنانية وتجردوا من حاجاتهم ووقفوا على صفيح المعاناة من منطلق إيمانهم واعتقادهم بحجم المسؤولية وثقلها في موازين خالقهم وإنسانيتهم ووطنهم.

الحديث عن مؤسسة يقترب عدد المنتسبين لها من 70 ألف موظف، يجعلنا نسلّم بأنّ هناك مسؤوليّات كبيرة لهذا القطاع ترمي بكاهلها على موظفي وزارة التربية والتعليم. فالكثير من الأدوار والأعمال اللوجستية يتم تنفيذها يومياً لكي تصل إلى أقصى الشمال وأدنى الجنوب من سلطنتنا الحبيبة وحتى تبقى عجلة التعليم تدور في مسارها الصحيح. ولا ينبغي على أي حال من الأحوال أن نلقي اللوم جزافاً دون النظر للإنجازات التي تتحقق على المستويين الداخلي والخارجي، فليست بالقليلة هي تلك المستويات المعلنة التي يحققها طلبتنا سنوياً في العديد من المسابقات الدولية في مجالات الابتكار والتقدم العلمي في الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من المجالات العلمية والأدبية.

إن النجاحات التي يحققها الكثير من الشباب العُماني في مجالات الطب والهندسة والاقتصاد سواء في الدراسة الجامعية أو عند انخراطهم في المهن المختلفة هي في الأصل نتاجات لجهود قام عليها المعنيون بالتعليم. وعليّ هنا أن أذكر بأن الكثير من الأسماء العمانية في وقتنا الحاضر سطعت كنجوم في سماء الشهرة والريادة نتيجة إسهاماتها في عديد المنظمات واللجان الدولية المتخصصة.

ولذلك أقولها وبملء الفم أنه من الظلم والإجحاف في حق العاملين في وزارة التربية والتعليم أن يتم التقليل من أدوارهم، وأنّ من حقهم علينا أن نُمسك على ألسنتنا إجلالاً وتقديراً لهم ولقدسية مهنتهم وأدوارهم، ويكفيهم قسوة وإجحافاً أنهم وسواهم على نفس الميزان عند الحديث عن الأجر مقابل العمل.

 

والله المستعان.

 

تعليق عبر الفيس بوك