الأندية.. بين مطرقة الإضراب وسندان الديون

 

أحمد السلماني

إضراب لاعبي كرة القدم بالأندية، ظاهرة بدأت في التفشي رغم أنّها ليست بالجديدة أو الغريبة بملاعبنا ولكنها وفي هذا الموسم تحديدا طفت على السطح بشكل واضح ومفضوح ففي خلال 3 أسابيع تقريبا أضرب لاعبو 4 أندية عن حضور التدريبات؛ وبعض الأندية اضطرت إلى أن تشارك بالفريق الرديف أو الأولمبي، وهي ربما الوسيلة الوحيدة التي تضمن للاعبين الحصول على رواتبهم ومستحقاتهم المالية، وإن التعاطي الإعلامي مع هذه الظاهرة إنما هو في شكله الخبري دونما التعمق في أصل المشكله وإلى أي مدى هي متجذرة، إذ أنّ التشخيص الدقيق السليم والدراسة المعمقة للأسباب كفيل حتى باستئصالها، حيث إن ظاهر المشكلة والسبب الرئيس لها إنّما هو "العضل المادي".

هنا أنا لم آتِ بجديد، إذ أن إدارات الأندية واللاعبين والوسط الكروي وأصحاب القرار بمؤسساتنا الرياضية يعرفون ذلك ولكن مستوى إدراك حجم المعضلة وأبعادها متباين وإن القلة القليلة فقط من يدرك النتائج الكارثية والتي قد تصل إلى تضعضع "منظومة كرة القدم " بالسلطنة كون الأندية هي عمادها في ظل غياب البدائل.

إنّ المال هو عصب الرياضة وكرة القدم بالذات هي أكثر من يستنزف الموارد المالية بالأندية إلى أنّ وصل الحال بالبعض منها إلى تجميد هذه الرياضة بعد أن اقتنع الجميع بأن الدعم الحكومي ليس كافيا وأن البحث عن استثمارات وموارد مالية بديلة كفيل بالتخفيف من معاناة الأندية ماليا بعد أن تغيرت المفاهيم الرياضية وطغت المادة على مفاصل الرياضة وغابت قيم الولاء والانتماء وأضحت شعارات تكتب وتتغنى بها الروابط التشجيعية حيث إنّ من أراد أن يحلق بالرياضة العمانية وبكرة القدم تحديدا لفضاءات جديدة وتحويلها إلى صناعة فرضها التطور المذهل في عالمها سقط منه سهوا أنّ البيئة الرياضية الحاضنة لم ولن تكون مستعدة طالما أنها تعيش زمن الهواية وفي إطارها الضيق العتيق، وعدم وجود إرادة حقيقية للاستفادة من "صناعة الرياضة"، فإنّ مشروعا طموحا كـ"دوري المحترفين" والذي تمّ وأده كان يمكن وفي خلال 7 سنوات وفق الدراسة المرفوعة والمركونة لدى أصحاب القرار؛ كان سيخلق 22 ألف وظيفة، وكفى.

وعودة إلى الموضوع الرئيسي للمقال، فإنّ النظرة الآنية لزيادة وتطوير موارد الأندية المالية بإطلاق بعض الأندية لمشاريع استثمارية ترفد خزائنها إنما هي قاصرة؛ إذ أنّ "كمين دكان" حول سور النادي وفي المستقبل المنظور القريب لن تصل بالأندية بعيدا مع الاضطراد المستمر والمتنامي للاحتياجات ومتطلبات الدورة التشغيلية للأندية وبرامجها فكيف بالأجور والرواتب والمنطويات المالية للتعاقدات هذا بالنسبة للأندية التي لديها مثل هذه الاستثمارات، والله يستر على تلك التي لا تزال تعيش على الهبات والتسول.

الإرادة السياسية والقرار الرياضي السيادي مطالب أكثر من أي وقت مضى إلى إطلاق حزمة قرارات تعنى بالمنظومة الرياضية بشكل عام، وترقى بها لسلم أولويات الحكومة لمساهمتها الفاعلة في تمكين الشباب وتطوير قدراتهم وتوجيه طاقاتهم المتقدة نحو المفيد ليتمكنوا من وضع السلطنة ضمن خارطة "الرياضة العالمية".

وهنا يأتي دور جميع مؤسسات الدولة ذات العلاقة في تهيئة المناخ الاستثماري بسقفه العالي والطموح بإطلاق حزمة شراكات وتكتلات بين الاتحادات الرياضية أو الأندية فيما بينها وفتح نوافذ استثمارية لها ضمن المشاريع الاقتصادية العملاقة والكبرى بالسلطنة التجارية والصناعية كالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والمناطق الصناعية الأخرى والمشاريع العملاقة الأخرى المتنوعة بالبلاد طالما أنّ الوزارة تعارض خصخصة الأندية التي متى ما تمّ تمكينها اقتصاديا فإنّ عملية استقلالها ماليا واستغناءها عن الدعم الحكومي واعتمادها على مواردها الذاتية سيمكنها بلا شك في تطوير رسالتها وتطور رياضتنا ولن نسمع مجددًا بإضراب لاعبين أو أندية مدِينة.