عزف متفرد.. فاعلية ألوان واعية وتحدٍ للذات!!..

...
...
...
...
...
...
...


مجدولين الجرماني| كاتبة سورية

كثيراً ما تتبادر على أسماعنا كلمة عاجز, وتلك المفردة بحد عينها غالباً ما تومئ لمن لديه خللاً جسمانياً ولد مع المرء أو تم اكتسابه نتيجة حادث ما, وفي الأعم ينظر إلى هذا (العاجز) دائما بعين العطف وتلك فطرة خاطئة لدى الكثير منا, لا يمكننا التخلص منها إلا حينما نقرأ بإمعان بأن العجز الحقيقي ليس عجز الحركة إنما عجز العقل..
عجز العقل هو القيد الأكبر, ومشاهد الحياة اليومية فيها من الأدلة ما يحيل الكلام إلى مناددة..
أنموذجاً سأتوقف مليا هنا بعد أن أترك نقطة أخر السطر.
كي أقدم بياني عما كتبته أعلاه من باب إن الشابة السورية (دعاء البسطاسي) تجاوزت حكاية عجزها الجسدي حينما ولدتها أمها بلا يدين لتحلق في فضاء الفن من أوسع ألوانه, لتترك بصمتها الروحية والإنسانية التي لا تمحى أمام أي عصف.. لتثبت أيضاً صحة ما ذهبتُ إليه في المطلع, بثقة إيمانية متفردة, بأن الله يركز بنا قوته على الرغم من كل الظروف والمعوقات..
على هامش لقاءنا.. تمتمت في سري, "يا رب هنا مكمن حكمتك بأنك خلقت الإنسان في أحسن تقويم.
ولدت (دعاء) بلا يدين, تعلمت كيف تستخدم قدماها بكل ما تريد عمله، لتكسر مقولة: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان, أي لم تتوقف قصة يديها عقبة أمام موهبتها, التي صقلتها بالعلم والمعرفة, لتقطف ثمرة التحدي مع ما يسمى (إعاقة), بالإبداع..
استطاعت أن تًجلي الظلمة بالنور, حين تركت أرجوحة قلبها تتماوج مع ألوان الطيف كعزف منفرد وسم باسمها وحدها من خلال ريشتها التي تربك عين الناظر بالدهشة..   
على هامش معرضها التشكيلي الأول الذي أقيم في دمشق بالمركز الثقافي العربي كفر سوسة, كان لي وقفة قصيرة معها, تكشفت لي فيما بعد بأنني أمام تجربة واعية, تجاوزت حكاية فقدانها لعضوين مهمين وفاعلين من جسدها "اليدين" لتذهب نحو تفعيل أعضاء بديلة للحيلولة دون الوقوف عند هذا الحاجز..
ويمكن لقارئ أعمالها أن يلقي القبض منذ اللحظات الأولى على توثب حواسها لخلق حالة إبداعية متفردة بالممارسة والجلد وطريقة متناغمة للتحكم بفاعلية الألوان عبر تيمات فنية متعددة الرؤى والرؤيا..
* من أين بدأت مسيرة دعاء البسطاسي ابنة دمشق؟.
_ كانت تجربة جميلة وممتعة وغنية أيضا، فقد تعلمت الرسم بقدمي وأنا طالبة في الصف السادس الأبتدائي، ثم طورت موهبتي وصقلتها بمركز ادهم إسماعيل للفنون الجميلة والتشكيلية بدمشق..
ثم كان الانتقال إلى المرحلة الثانوية العامة ومنها طرقت أبواب جامعة دمشق, وهناك تلقفتني كلية فنونها الجميلة حيث أريد.
* ألم تكن هناك عوائق.. وخصوصا مع الزملاء والمدرسين خلال مشوارك, وماذا عن معرضك الآن؟.
- أبداً.. كانت نظرتهم لي كأي زميل, ولم يعاملني أحد بشيء قد يعطل حركتي كطالبة أو ينظر لي بعين ما أنا به,
كنت بموضع احترام وتقدير من الدكاترة بالجامعة وكذلك زملائي.
وأسهبت:
بالنسبة للمعرض هو تجربتي الأولى والخاصة, بل دعيني أقول لك, بأنها اللبنة الأولى في مسيرتي ولن تكون الأخيرة..
* وراء أي مبدع.. ثمة جنود مجهولون.. من وراء دعاء الفنانة؟.
- أولاً إيماني بمقدرتي وهو تحدي الذات مع الذات, كي أكون أنا, بالتأكيد وجود الأهل..
لكنني أدين بالكثير الكثير لمن آمن بي وتبنى موهبتي, من بنى لي جسر عبور إلى ضفة حلمي, الأستاذ محمد النائلي.
الفن في عيون دعاء!:
-    الباب الذي أتنفس منه, الذي يهبني النسيم القادر على تحريك ريشتي لترسم بدورها صور الحياة..
من خلاله استطعت أن أقول ما أريد دون معارضة, رسمت ما أشعر به دونما خوف أو رضوخ أو تحيز إلا لمشاعري وتجربتي.
نافذتي المفتوحة إلى كل العالم:
ثمة أناس حتى ولو ابتعدت عنهم, أو شاغلتك الحياة, ولربما قابلتهم على حين مصادفة, لكن تلك المصادفة جديرة بأن تؤسس لمعرفة بعمر مديد, وهنا أتحدث عن دعاء وتجربتها اللتان تجسدتا في بوتقة واحدة بفاعلية كل ما هو محسوس.. في ألوان وخطوط دعاء ما يغري عين الناظر.

 

تعليق عبر الفيس بوك