دهاليز السياسة والاقتصاد

 

فايزة الكلبانية

في عالم السياسة، إذا أردت أن تدرك جيدا ما يحدث، انظر في المكاسب الاقتصادية، فإذا وجدت أن خلافا دبلوماسيا نشأ بين دولتين أو صراعا اندلع بين فصائل متناحرة داخل البلد الواحد أو حتى حربا نشبت في إقليم يطفو فوق فوهة بركان؛ فاعلم جيدا أنّ الاقتصاد هو المحرك، وأنّ الاقتصاد هو الدافع، وغير ذلك أحاديث جوفاء للاستهلاك الإعلامي وحشد الرأي العام.

على مدار شهر مضى، تفجّرت أزمة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، وتوالت التسريبات والتخمينات والاحتمالات بما ستؤول إليه الأوضاع، لكن الأزمة في حقيقتها تجاوزت كونها قضيّة جنائية سياسية إلى قضيّة ذات تبعات اقتصادية عميقة، فهي بمثابة نقطة البداية لتهدئة النيران والخلافات السائدة بالمنطقة وبالتالي إعادة التوازن لاقتصادها المتأزم. مقتل خاشقجي فتح الكثير من الأبواب رغم أنّها جريمة قتل أو حتى سمها اغتيال، إلا أنّها ستمثل الحل والمفتاح السحري لمتغيرات كبرى في منطقتنا، وأنّ العوامل الاقتصادية كانت هي المحرك الأساسي، وسيتم إحداث التغيير المطلوب لتحقيق النمو الاقتصادي على حساب التحركات السياسية. فمثلا حرب اليمن ستضع أوزارها قريبًا، وكذلك الأزمة الخليجية ستتلاشى وتعود المياه إلى مجاريها بين دول مجلس التعاون الخليجي، وكل ذلك من أجل استعادة النمو والنشاط الاقتصادي الذي غاب لسنوات على إثر هذه الأزمات.

من هنا تنشأ التأثيرات المتبادلة بين السياسة والاقتصاد، وقد تكون بداية لتحسين العلاقات التي ساءت بتبعاتها السلبية بين دول المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة. لكن من المهم أيضا الإشارة إلى أنه غالبا ما يدفع الاقتصاد ثمن السياسات، فإذا صلحت السياسات صلح الاقتصاد بين الدول، أمّا إذا ما كانت الدول تتبع سياسات متخبطة وعشوائية لا تحسب لعواقب الأمور وتبعاتها حسابا، فستقضي على مصداقية هذه السياسات وكل مسؤول ومشارك في وضعها، نظرا لكونها لا تتميز بالتجديد والاستدامة ولا تواكب المتغيرات، وبالتالي من الطبيعي أن تكون هذه السياسات طاردة للمستثمرين والنمو الاقتصادي أو أنّها تتسبب في خسارة الكثير من المستثمرين لرؤوس الأموال. ولذلك يطالب الخبراء دائما صناع السياسات بأن يعملوا على التجديد في رسم الخطط والسياسات، لاسيما سياسات التنويع الاقتصادي، وجذب الاستثمارات.

"السياسة والاقتصاد" إذن وجهان لعملة واحدة، والمتغيرات السياسية تأثيراتها السلبية والإيجابية على اقتصادات الدول جلية ولا يمكن لكائن من كان أن ينفي ذلك، فتعزيز اقتصاد أي دولة يستهدف تحسين المستوى المعيشي للأفراد، وخلق فرص توظيف للباحثين عن عمل، إلى جانب مقدرتها للتغلب على جميع الضغوط والتحديات، وضبط أسعار السوق، وتقليص رقعة الفقر، وإنعاش حركة الصادرات والواردات التي بدورها تنعش الاقتصاد، وهذا كله لن يكتمل إلا بوجود سياسات وإجراءات مدروسة لتحقيق هذا النهج التكاملي.

وختاما.. قد يكون في قضية خاشقجي تأثيرات على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الأطراف فيها، وقد يكون أيضا بداية لصحوة ووعي بما يدور من أحداث بالمنطقة والتي لن تصل للسلام إلا بإعادة توحيد الصفوف والتكاتف المعهود بالرغم من الاختلافات المفروضة فيما بينها، من منطلق الحرص على بسط الأمن والأمان ونشر السلام بين مختلف الدول، بعدما سادت المنطقة الخلافات والحروب والفرقة.