هكذا تكتمل الصورة


ديما ناصر – سوريا

 
مرات ،
و أنا أعبر بين مراكب هذا الأزرق
أدع بلّورات الحزن تطفو
تمتدّ حتّى أصابعي سبحة
ربما رحلة فوق ضفة
أقرب من سماء !
نظرتُ إليها
كان على قوس كفها
أثر غصن آس
أوثقوا جسدها .
عيناها
نحو مدى امتلأ  بالصور
تتوالى واحدة إثر أخرى
كما لو انه فيلم صامت
يمرّر بسرعة :  

1*ساحة المدينة
عمود صور الشهداء
أعلى هذا الصّباح

2* ظلّ الشجرة العارية -
يكمل خطوته
مصاب الحرب

3* خطوة عرجاء-
شيءٌ من عشب الرصيف
عالق بحديد قدمه

4*زحام الظهيرة
عال رنين خطوات
مصاب الحرب

يتسارع الوقت
تتسع الصورة
كما لو أن المدى صهيل جامح
كما لو أن من يخزه
يودّ دوس الجميع
دفعة واحدة
هي ذي الساحات متروكة للنفايات
أعمدة النور مكسورة
المنصّف يقسم شارعين
أحدهما نحو مزيد من الموت و الاخر للموت
أعشاب ،
تنمو فوقها صور لوجوه لن تعرفها
ليست أكثر من وجوه !
الأعشاب تموت
الأسماء تُنسى
الموتى ، يموتون مجدداً
المنصف مكسور من الجهة العلوية للشمس
ملوّن بحجارة حمراء
الصور تبهت مع كلّ شروق
الناس
أنا
أنت
نمر
ننظر
نكمل الطريق
الطريق يؤدي لنهاية ما
العشب ينمو
الصور تنمو بفارق موت
تغادر الأطر
تتمدد في الوجوه
الوجوه نحن
تخرج الأسماء من شفاهنا
يعلو ما يشبه الصوت
 " لمن هذا الموت ؟"

ها أنا !
مجدداً انظر لعينيها
المدى  يصغر كما لو أنه كلّه  الان في  دمعة
تنحدر بهدوء على خدها الأيسر
تقول :
في مكان ما  ، يدوس جندي
آخر لفافات تبغه
إليه هذه الدمعة
فيها خبّأت صوتي  :
أيها المسافر
كلّما تمدد الصبح فوق قامات الجبال
كلّما  سمعت نقراً يقطر من بين أجنحة اليمام
تذكّر ،
هناك عروق عندما سقطت سواعدها
نبتت حقول قل فيها العتم
و صوب الشمس مدّت جسراً
أيّها المسافر
هنا
ينبت الحزن كما العشب
كثيفاً
بريئاً
يرعاه حتى الغمام
لك هذه الدمعة ،
غصة
شهية
كماالوقت اذا ما آذن للنهاية
لذا قبل أن تمضي
تذكّر ،
مهما بدّلت صورة ما جرى
هي طينة واحدة .
ابحث عن المعنى
اقرأه في  عيني أم
اخيراً استسلمت هو " الموت حقاً "
أشياؤه مرموزة
خاتم
خوذة
أو ربما اسم ينتظر أن يملى في نعوة
لتقرأ المعنى أمعن
كم قاد ابتهالها قمراً
كم مرة سقى دمعها ظلاً
ثم امض مع خطوها
هناك ، في آخره
مجمرة
و شاهد عليه الصّورة
مضت ...
مضى ...
نسل من نول الزمن خيوطاً
كانت ملونة
كصخب أطفال
يحملون في راحاتهم
خمائر الشروق .
كتشقّق رمّانتين
يشفّه احمرار خدّها في عينيه
 إثر ليلة حب !
كقمر حليبي يسيل
مع أنّات الشهوة .
حملها
طاف بها
بين الرئات النازفة
لم يومئ له جسدٌ ،
أو ظلّ
كان الهواء يمرئي
قيح رعب ساكن في أغوار غدهم
و المدينة تسيل في مجاز الركام
تتدفّق في شرايين الحواة و الفقهاء
و تجار أسواق النخاسة
مضى
يتساقط
خيطاً
خيطاً
تتبعه الظلمة ،
 تتلمس خطاه بهدوء من سكب الضباب
فهي  لا تأتي إلّا حافية
تنسلّ في رئتيه
مهما حاولت الإصغاء لن يعلو إلّا الصمت
هو ذا  ، يعلّق زفيره
كان مايزال يتوهّج في لجّة القيح
فوق ماء عينيه طفا وجه طفل
فيه يغفو
في تجاعيده
في فيض نبضه
لم يقل وداعاً
رمى في الهواء طيف ضحكة
ثم غاب ...

مع الفجر
 فوق التربة الطرية
دخان مبخرة
ينحو للشرق ...

تعليق عبر الفيس بوك