تسعيرة الوقود

د. محمد الشعشعي

إنّه الموضوع الذي يشغل العالم من أقصاه إلى أقصاه بدءًا من أمريكا صاحبة القوة العظمى في العالم وصولا إلى الفاتيكان أصغر دولة في العالم والتي لا يزيد عدد سكانها على ثمانمائة وخمسين ألف نسمة. فالكل يتأثر بهذا الذهب الأسود، ولا يمكن الاستغناء عنه بإيجاد بدائل أخرى، وفي نفس الوقت أسعاره وارتفاعها وانخفاضها يشكل إشكالية الإشكاليات عند الحكومات والشعوب على السواء.

 سبب النفط الحروب والدمار لدول بسبب امتلاكها كميات كبيرة من المخزون النفطي وأصبح التنافس بين الدول العظمي لاحتواء تلك الدول، فتم تدمير بعض الدول النفطية الشرق أوسطية وتخريبها وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية بين رعاياها فأصبحت تلك جحيما لا تهدأ نيرانه، وفي الوقت نفسه فإن الدول المحورية الكبرى تحصل على نفط هذه الدول التي خربت وتشتريه من السوق السوداء وبأسعار رخيصة.

 وأمريكا والدول العظمي هي تعاني هي أيضا من ارتفاع أسعار النفط وانخفاضه وسبب لها مآسي في السنوات الأخيرة جعلها تبحث عن بدائل أخرى لتوليد الطاقة واستخراج النفط الصخري الباهظ التكاليف.

 ومع إشكاليات النفط على المستوى الدولي إلا أن هناك جانبا مشرق للنفط في الحياة فبه نركب قارب التقدم والتطور والرفاهية والتكنولوجيا ونحيا حياة العيش الرغيد، وبالنفط تبنى الدول ويشتد العمران ويتطوّر العلم والطب والاختراعات.

 أما إذا ما تطرّقنا للنفط على المستوى المحلي أي مستوى استهلاك الوقود داخل كل دولة باعتبار أن هذا الأمر يلامس الأوساط الاجتماعية والشريحة الكبرى في كل الدول لأنه يؤثر تأثيرا مباشرا على واقع الحياة المعيشية للأسر والأفراد والمؤسسات العامة والخاصة، فإذا ارتفعت التسعيرة تأثرت كل هذه المكونات سلبا والعكس صحيح؛ هذا طبعا في الدول التي لا تدعم تسعيرة الوقود محليا، فيصبح ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية رافدا ماليا لخزينة الدولة. إلا أنه من الجانب الآخر يرفع من تسعيرة الوقود داخليا، فيكون الارتفاع مفرحا في جانب الدولة وتحسن وضعها الاقتصادي ولكنّه مزعج عند أوساط المجتمع المحلي لأنّه بهذا الارتفاع العالمي يرفع سعر الوقود داخليا، وهو الذي يهمها في المقام الأول لأنّ هاجسها المحوري هو كيفية تسيير الحياة اليومية وسبل العيش الكريم لهذه الشعوب.

من هنا نجد أنّ الكثير من النقاشات المستفيضة في وسائل التواصل الاجتماعي في عمان ودوّل الخليج حول ارتفاع أسعار الوقود الذي أرهق كاهل المواطن وجعله يتأفف ويتذمر وينتقد بطريقة وبأخرى القائمين على سياسة تسعيرة الوقود المحلي في كل دولة، وقد يكون هذا المواطن البسيط محقا في هذا النقد لقصد إيصال كلمة سواء بيننا أو بينهم من شأنها أن تساعد في تخفيف هذا الحمل على ظهر انحنى تعبا من كثرة وشدة تكاليف والتزامات الحياة اليومية التي تزداد ارتفاعًا يوما بعد يوم.

من حق الفرد أن يُعبّر عمّا يجول بخاطره وأن يشرح عمّا يعاني من هموم وآهات للآخرين لهدف الصالح العام ومن أجل البناء والتعمير لكن أن تنزلق تلك الانتقادات إلى السب، والقذف، والتضليل وتأجيج الرأي العام، فإنها تكون قد انحرفت عن مسارها السليم وجانبها الصواب وضلت السَّبِيلَ لأنّ كيان الدولة ولحمتها الوطنية خط أحمر لا يسمح لأحد أن يتخطاه أو حتى يقترب منه فالدولة هي الحضن الدافئ الذي يحتضننا من برد الشتاء ولهب المصيف.

وهذا لا يعني أننا لا نحس بهذا المواطن الذي عانى ما عانى من هذه التسعيرة بعد أن رفع عنه الدعم الحكومي، بل نحن نقف بجانبه ونطالب أصحاب القرار والجهات المعنية بإيجاد مخارج أو حلول من شأنها أن تساعد في التزامات حياته اليومية ونرى أهمية إعادة النظر في هذه القضية قاطبة، وإعداد دراسة عاجلة يكون هدفها الأول والأخير المواطن الوفي والمخلص لبلاده.