بُكائيةٌ على قبْرِ محمود درويش


أشرف قاسم / مصر

لمَاذا رَحلْتَ ؟
ومِمَّنْ تَعلَّمْتَ هذا الجفاءَ
لِمَنْ يَحَفظونَ عرائسَ شِعْركَ بين الضلوعِ ؟
تُودّعنا ؟
كيْفَ يا سيِّدى ؟
يا مَليكَ القلوبِ
وتتْركنا في الْمساءِ الأخيرِ
جراحا ً
تَنز ُّ
دَما ً
مُثْخنةْ ؟ .. ؟
لماذا رحلْتَ ؟
وكل الجِيادِ كبَتْ في الطريقِ
انحنى الفاتحونَ
تواضَعتْ الأمنياتُ الكبارُ
احْتوتْنا الدروبُ
المتاهاتُ
صِرْنا بُكائيةً
للسنينِ اللواتي
مَضيْنَ بأحلامنا
خَلَّفتْنا بقايا
صَدىً
صَرْخةً
واهنةْ ! .. !
تقولُ : " إمتلأتُ بأسبابِ هذا الرحيلِ "
لماذا ؟
ونحْنُ الذين
انْتظرنا طويلا ً
قُدومَ إمامٍ نُصلى
وراء تراتيلهِ
يستفزُّ
القصيدةَ
والبندقيةَ
حتّى
تَصيرا
معا ً
مأذنةْ ! .. !
"في الرحيلِ الكبيرِ
أحبكَّ أكْثرَ"
أرسمُ وجهكَ خارطة ً
فوقها علَّق الليلُ مفتاحَ هذى المدينةِ ...
فستانَ هذى العروسِ الحزينةِ
أمنيةً للسعادةِ
حاصرها اليأسُ خلفَ المعابرِ
ترنيمةَ الفُصْحِ
مزاميرَ داوودَ
تَغْريبة المُتوحِّدِ
والهَمِّ
أزْمتُنا
الطاحنةْ
!..!..!
كيف لمْ تلتفتْ للصغارِ
الذين بكوا
مِن جداريةٍ
أشْعلتْ يأْسنا
رسَمتْ يُتْمنا
فتَحتْ جُرْحنا
إنَّنا
لمْ نعُدْ مثْلما
ذاتَ حُزْنيْنِ غَنيّتنا
" واذكرينى ..
كما تذكرين العناوين
في فهرس الشهداء "
اخْتلفْنا
وخِفْنا
وصارتْ عناويننا
قصصا  مُحْزنةْ ! .. !
قلْتَ : "يا أيها الموتُ
كنْ نعمة للغريبِ الذي
يبْصر الغيبَ أوضحَ
مِن واقعٍ لمْ يعدْ واقعاً .. "
لمْ يكنْ مُفْزعاً ؟
إنّه الموْتُ حينَ أتاكَ
أتاكَ على مَهلٍ
يَسْتحى مِن حقولِ الكرومِ
ومِنْ
مَرْجِ زيتوننا
مِن جموحِ الأسى
في تَفاصيلِ
لحْظتنا
الرّاهنةْ
!..!..!
طار سِرْبُ الحمامِ
"الضحايا تمر ٌّ من الجانبين .. تقول
كلاما أخيرا ً
وتسقط في عالم ٍ واحد "
تَسْرحُ النارُ
في بيْدرِ القمحِ
تأْتى إليْنا
السنينُ العجافُ
بلا يُوسف
يَسْكنُ الجَدْبُ
أعْشاشنا
نَصْطلى
نارَ أحْلامنا
المُذْعنةْ ! .. !
إلى أيْنَ تَمْضى ؟
أترْحلُ ؟
كيْفَ ؟
وتتْركنا في المتاهةِ
أغْنيةً لحْنها اليأْسُ
تقْطرُ دمْعا ً
على خدِّ أيّامنا المُثْقلاتِ
بإِرْثِ تَقهْقرنا
لا نَرى خيْطَ نور ٍ
نسيرُ إلى نَفَق ٍ مظلم ٍ
لا تُجيد الجيادُ به السيْرَ
تَكْبو
نُصارعُ سَقْطتنا بالغناءِ
وحينا ً بدمْعتنا السَّاخنةْ ! .. !
فلسطينُ تبْكى ..
كنْتَ أوْفى بنيها
لماذا انسحبْتَ ؟
أجبْنى .. لماذا ؟
مللْتَ ؟ احْترقْتَ ؟
أَمْ الحُلْمُ ماتَ ؟
فأشعلْتَ في ورقِ الذكرياتِ الحريقَ
وأسْلمْتَ نفْسكَ للموتِ ؟
أمْ الأدْعياءُ
تمادوا بِرَجْمِكَ ؟
فاخْترتَ أنتَ الرحيلَ
لتشْكو
وجْدَ البنفسجِ
للسوسنةْ ؟ !
رحلْتَ ..
لتتْركَ فى القلبِ جُرحا ً
وفى العيْنِ دمعا ً
وفى العمر تغْريبة تصْطفينا
وفى طرقِ العابرينَ إشاراتِ ضَوءٍ
لِصبحٍ بهى ٍّ
وشعْب ٍأَبىٍّ تعلَّم مِنْ حزنهِ أنْ يُغنّى
وماتَ المُغنى
" بلادي البعيدة عنى كقلبي ..
بلادي القريبة منى
كسبجنى ..
لماذا أغنى ؟
مكانا ً ووجهى مكان ..
 لماذا أغنى لطفل ٍ
ينام على الزعفران ؟
وفى طرف النوم خنجر ..
وأمى تناولنى صدرها ..
وتموت بنسمة عنبر ! "
ونحْنُ
على وسْعِ هذا البراحِ
تُطوّقنا زحْمة الأمكنةْ ! .. !
" أريد الرجوع فقط ..
إلى لغتي
فى أقاصي الهديل "
رجعْتَ إليْها
لتنْبشَ فى دفْتر الذكرياتِ
وتقْرأَ أسماءَ مَن أشْعلوا النارَ
فى حُلْمكَ البِكْرِ..
أسماءَ مَن يعْبرونَ
إلى ضِفةِ الحُلْمِ
على لوْحِ آلامهمْ
والرفاقَ الذينَ اسْتكانوا..
وكانوا..وكانوا..
لتبْقى وحيدا ً
تُقاومُ
جعْجعةَ الْمَطْحنةْ ! .. !
"وراء التلال
ينام المغنى وحيدا ً
وفى شهر آزار
تصعد منه الظلال "
فيا أيّها العبقري المُسافرُ
دعْنى أُغنّى معكْ
" أحن إلى خبز أمى
وقهوة أمى ولمسة أمى
وتكبر فىَّ الطفولة
يوما ً على صدر يومِ
وأعشق عمرى لأنى
إذا مت ُّ أخجل من دمع أمىِ "

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك