هل كان أردوغان انتهازيا؟

 

د. عبدالله باحجاج

هذا التساؤل أوَّل ما تبادر إلى ذهني بُعيد انتهاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خطابه في البرلمان التركي أمس، وهو خطاب كان ينتظره العالم أجمع، وكان كل فرد على كوكب الأرض، على استعداد أن يدفع ثمن مشاهدته أو استماعه للخطاب، لو من قوت عياله.

والانتهازية طرحتها في ردي على أبي عمار الوهيبي الذي علَّق في تواصله الإلكتروني معي بعيد الخطاب مباشرة بأن هناك "مساومة" فاجبته على الفور، بل هناك انتهازية عالية المهنية، ودقيقة التعاطي معها رغم حساسية هذه المفردة.

وتعرف الانتهازية بأنها السياسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف مع القليل من الاهتمام بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين، هذا من حيث المفهوم التقني للانتهازية، لكن في الحالة الأردوغانية هي كذلك لكن مع رفع نسبة المبادئ قليلاً، بمعنى أن هناك سياسة واعية محفوفة بالأنانية مع الحرص على التمسك بمنسوب مرتفع للمبادئ، وإن كان لا يرتقي إلى مستوى الطموحات الشعبوية، من عدة وجوه:

- استخدامه اللغة الناعمة في خطابه في وقت كان الكثير يتوقع اللغة الخشنة والقاسية الموجهة ضد الآخر، وهنا وجه من وجوه الانتهازية.

- تبرئته الشخصية لقمة السلطة في الرياض رغم أنه لم يكم مضطرا، وهنا وجه آخر من أوجه الانتهازية.

- إشارات الود إلى الرياض في أكثر من موقع في خطابه منها التحقيق التركي مع المُتهمين، مستخدما عبارة "إذا وافقت الرياض".

وهذا كله يدلل على نعومة خطاب أردوغان رغم ما فيه من مواقف سياسية قوية تدحض الرواية السعودية بمقتل خاشقجي، وتؤكد على أنها جريمة سياسية لها أبعاد دولية، وأن خيار المحاكمة الدولية الأضمن للصدقية بل والمصداقية، وتأكيده بعدم إغلاق هذا الملف حتى تتضح الحقيقية، وهذه كلها مواقف تركية مفتوحة لكل الاحتمالات، حسب ما تراه مقاربة أردوغان التي استخدمها في قضية حساسة جداً، وخطيرة جدًا، وقد تقلب أوضاعا داخلية رأسًا على عقب.

ولن نستبعد كذلك العوامل الدولية، وبالذات الأمريكية، وقضية الانتخابات الأمريكية الجزئية التي ستجرى بعد أسبوعين، وانفتاح أنقره على واشنطن بعد حرب اقتصادية تضررت منها أنقرة، ودفعت بها إلى التعاطي الإيجابي مع قضية القس الأمريكي.

من هنا، ينبغي التأمل في الانتهازية الأردوغانية من تلكم المستويات.. ربما بعيدًا عن العواطف.. وهذا حكم ليس نهائياً، وإنما صفته النهائية مؤجلة حتى تتضح المعايير الأخلاقية التركية في قضية خاشقجي والتي لوح بها رئيس الحزب الحاكم في تركيا، لأنَّ هذه مسألة حساسة جدا، الكثير داخل منطقتنا العربية كانت تشده العواطف نحو إعلاء انتصار الإسلام السياسي (ممثلاً في أردوغان) الذي تتوافر لديه الآن الكثير من الأوراق التي تحسم قضية خاشقجي، وهو مشهد تراجع قليلاً بعد خطاب أردوغان، رغم أن هناك عواطف كانت تتطلع بشغف لهذا الانتصار، لأنها كانت ترى أنَّ كل الفرص مواتية لإعادة الاعتبار لقوة الإسلام السياسي بعد أن طُعن في كثير من الجبهات العربية، وهو ما كانت تخشاه الكثير من الأنظمة في المنطقة، لكن حالت دون ذلك على الأقل مؤقتاً انتهازية أردوغان.