"فُصِلَت من المدرسة وقُطِعَ الضمان الاجتماعي"

 

طالب المقبالي

لا أدري بماذا أخاطبكم اليوم في هذا المقال، هل أخاطبكم بلسان الكاتب الصحفي الذي ينقل هموم الناس، أم بلسان ولي الأمر الذي أكرمه الله سبحان وتعالى بابنة من الأشخاص ذوي الإعاقة، أم أخاطبكم باسم العامل في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة.

لا أدري إن كان بإمكاني التحدث من منطلق هذه الصفات الثلاث، أم أكتفي بسرد قصة صديق قد كتبت في شكواه تغريدة يريد أن يوصلها إلى المعنيين في وزارة التربية والتعليم، ووزارة التنمية الاجتماعية، وإلى أعلى من ذلك.

فصديقي لديه ابنة من الأشخاص ذوي الإعاقة "متلازمة داون" كانت من بين الملتحقين بمركز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين، ومن ثم أُلحِقَت بفصول الدمج بمدارس وزارة التربية والتعليم، إلا أنّ ابنته قد فصلت من المدرسة لتجاوزها الصف التاسع وهي المرحلة النهائية لدراستها في نظام الدمج بمدارس التعليم العام التابعة لوزارة التربية والتعليم، والتي تكون الدراسة فيها على مرحلتين، المرحلة الأولى من الصف الأول فكري إلى الصف الرابع، والمرحلة الثانية من الصف الخامس إلى الصف التاسع وهذا ينطبق على جميع الإعاقات الذهنية القابلة للتعليم.

فخلال فترة الدراسة هذه والمحددة إلى الصف التاسع تكون الأسرة متعلقة بآمال أن يؤهل أطفالهم لمراحل متقدمة، إلا أنّ الواقع صادم، فبعد إكمال الصف التاسع يتم إبلاغ أولياء الأمور بأنّ فترة الدارسة لأبنائهم سوف تتوقف عند هذه المرحلة، فأين سيولون وجوههم بهذا الطفل بعد هذه الفترة؟

لقد جنّ جنون الرجل فأصبحت معاناته كبيرة، وهو يتألم حين يرى ابنته كل صباح تتهيأ للذهاب إلى المدرسة، ولا تدرك أنها قد فصلت، وأصبحت حياتها محصورة في أرجاء المنزل بين هذه الغرفة وتلك.

وقبل الانتقال إلى النقطة التالية نشرت تغريدة سابقة عبر تويتر أتساءل فيها عن مفهوم الدمج لدى وزارة التربية والتعليم، وطالبت بالتعريف عن الدمج في ظل عزل هؤلاء الأطفال عن أقرانهم من الطلبة الأصحاء.

فكيف يتحقق الدمج وأطفال الدمج مخصص لهم فصل منعزل عن الأصحاء، ومخصص لهم حافلة خاصة تنقلهم، وهم ممنوعون من حضور طابور الصباح، والحافلة المخصصة لهم تحضرهم إلى المدرسة بعد انتهاء طابور الصباح وبعد دخول الطلبة للفصول.

كيف يتحقق الدمج وأطفال الدمج ممنوعون من المشاركة في مناسبات الأصحاء.

وكيف يتحقق الدمج وأطفال الدمج إذا غابت معلمتهم لظرف طارئ يغلق الفصل بالكامل ويحرم الجميع من الحضور؟ فأي دمج هذا؟

وبالعودة إلى صديقي فقد زارني قبل أيام في مكتبي يشكو قيام وزارة التنمية الاجتماعية بقطع معاش الضمان الاجتماعي عن ابنته، وهو يتساءل كيف يقطع عنها الضمان ومتطلبات الشخص المعاق أضعاف متطلبات الشخص السليم، كيف يقطع الضمان وهناك أوامر سامية بتجميد قاعدة الإلزام في عام 2011.

لقد حاول صاحبي أن يلحق ابنته بمركز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين للاستفادة من البرامج التدريبية في القسم المهني بالمركز، لكن القسم المهني تنقصه الكوادر المتخصصة، فحتى الآن لم يتم تعيين أخصائيين لتشغيل هذا القسم التشغيل الفعلي.

لا أخفيكم أنني أتوجس خيفة حين يصل سن ابنتي كسن ابنة صديقي فتُفصل من المدرسة، وهي اليوم تفيق باكراً وتلبس ملابس المدرسة وتذهب سعيدة لتلتقي معلماتها وزميلاتها التي تتغنى بأسمائهن وهي تلعب بألعابها.

لقد كتبت فيما مضى مقالاً عن متلازمة داون تحت عنوان "متلازمة داون والمستقبل المجهول" بينت فيه أنّ المصابين بمتلازمة داون تتفاوت درجات إعاقتهم، فقد تمكن كثير منهم من التفوق في مجالات كثيرة في الحياة، وقد سقت بعض الأمثلة عن عدد من المصابين الذين حققوا نجاحات في حياتهم كونهم تلقوا الرعاية والعناية، من أمثال

الشاب الكويتي مشعل جاسم الرشيد البدر المصاب بـ "متلازمة داون" الذي استطاع هزيمة إعاقته والتحول إلى أسطورة في رياضات السباحة والغوص والجري ورمي الجلة، حتى أنّه استطاع حصد 11 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية بأولمبياد المعاقين.

ولم يقتصر تفوق الشاب الكويتي، مشعل جاسم الرشيد على الرياضة، بل إنّه أصبح يقرض الشعر ويكتب في الأدب.

وها هي المعلمة "هبة الشرفا" فتاة فلسطينية مصابة بمتلازمة داون وتعمل معلمة بجمعية الحق في الحياة التي تُعنى برعاية وتأهيل مصابي متلازمة داون في قطاع غزة، لتكون أول مصابة تحمل هذا الوسام الجميل لقيادة تلاميذها نحو المستقبل.

كما يوجد في العراق وتحديدا في بغداد مهندس معماري من متلازمة داون يقوم بعمله على أكمل وجه ويوجه العاملين في ميدان العمل.

كذلك ستيفن جنز الذي يأخذ دور النجومية في فيلم سينمائي، وتقديم الإعلانات والبرامج التلفزيونية، وكريس بورك الموهوب في التمثيل، وكذلك الفتاة الأسكتلندية باولا سيج لاعبة رياضة الشبكة الأولمبية، والممثلة، ومقدمة البرامج.

هذه النماذج تؤكد أنّ هذه الفئة قادرة على العطاء والإنجاز، ومن الظلم أن تتقوقع بين أربعة جدران في المنزل وهي قادرة على قهر الإعاقة لو تيسر لها ذلك في السلطنة.

الأكثر قراءة