يرصد أكبر الإسهامات الحضارية في العالم القديم:

مصر بعد الفراعنة.. من الإسكندر حتى الفتح العربي

القاهرة: حسين أحمد


"  خلال الألف عام، التي بدأت بغزو الإسكندر الأكبر وانتهت بالفتح العربي، كان لمصر أكبر إسهامتها الحضارية وأهمها في العالم القديم". من هذه الرؤية التاريخية! انطلق                                                                                                الدكتور آلان بومان، أستاذ التاريخ الروماني بكلية كرايست تشيرش أكسفورد، في كتابه" مصر بعد الفراعنة.. من الإسكندر حتى الفتح العربي"، ليدلل على أن مصر عاشت أكثر فتراتها ازدهارا في ذلك الوقت بالتحديد!.
ويقع الكتاب الصادر حديثا عن المركز القومي للترجمة في 487 صفحة من القطع المتوسط، بترجمة عواطف علاء الدين، ومراجعة الدكتور علاء الدين عبد المحسن شاهين، عميد كلية الآثار الأسبق بجامعة القاهرة.
يحوي الكتاب مقدمة وسبعة فصول وخاتمة وملاحق وثبت بالمراجع وقائمة بالصور التوضيحية. وبدأ بومان مقدمته بتوضيح علاقته بالتاريخ، وما يربطه بعلم الآثار، فيقول:" إنني لا أملك سوى معرفة رجل الشارع العادي للآثار وليس لدى الخبرة اللازمة للتحليل النقدي للوثائق المدونة باللغات غير اليونانية واللاتينية، لذا كان علي أن أعتمد على النسخ المنشورة وترجمات المواد الديموطيقية والقبطية، لكن دمجها وتركيب بعضها مع بعض هو أمر جدير بالمحاولة، حيث لا يوجد مؤلف حديث باللغة الإنجليزية يستخدم كلا الدلائل" المدونة والأثرية" معا لتوضيح أثر الوجود الروماني في مصر في ظل خلفية من التراث والتقاليد المصرية.
و يورد بومان، في الفصل الأول: هبة النيل، وصفا لعالم الجغرافيا سترابو، الذي زار مصر في عهد أغسطس، عن جمال أراضي الدلتا وقت الفبضان فيقول:" :" لقد كانت كل البلاد مغطاة بالمياه وصارت كبحيرة كبيرة إلا التجمعات السكانية التي كانت توجد فوق التلال الطبيعية أو الصناعية وكانت تحتوي على مدن كبيرة وقرى تبدو كالجزر عند رؤيتها من مسافة بعيدة".
كما يعرض بومان لعلاقة المصريين القدماء بالنباتات والزراعة، فيقول:" زودت الأنواع المختلفة من النباتات المصريين بالغذاء وبعض المنتجات المفيدة الأخرى دون الحاجة للزراعة المنتظمة، فعلي سبيل المثال لاحظ الكتاب المصريون القدماء أن جذور أحد أنواع الفول البري يطلق عليه أذن الفيل كان يتم  جمعها وأكلها إما نيئة وإما مطهوة وأن أحد أنواع الكرنب كان ينتج نوعا من الحبوب يشبه بذور الدخن وكانت تطحن ويصنع منها أرغفة الخبز"، موضحا أن نبات البردي، الذي كان ينمو بوفرة في مستنقعات الدلتا، كان يستغل في صنع الأدوات الكتابية وكانت مصر تصدرها لكل أنحاء منطقة البحر المتوسط".
وسعى بومان ليؤكد رؤيته، التي انطلق منها لتأليف كتابه فيقول:" إن مصر وصلت تحت الحكم اليوناني والروماني لدرجة من الرخاء والتطور لم تشهدها في العصور التالية حتى القرن الـ19 ميلاديا"، ويعود ليدلل على ذلك في الفصل الثاني" القوة الحاكمة"، بقوله:" إن أحد التقديرات الحديثة قدرت ثروة مصر، بأنها كانت من الضخامة التي تمكنها من دفع الأجور الأساسية للعمالة لمدة 750 ألف سنة".  
ويصف بومان علاقة المصريين بالفرس والرومان، فيقول:"عندما دخل الاسكندر الأكبر مصر قوبل بالقليل من المقاومة من قبل الفرس الذين كانوا يحتلون مصر في ذلك الوقت، وظلمهم وجبروتهم من 343 إلى 323 جعل المصريين في القرن الرابع قبل الميلاد وأحفادهم يكرهون الفرس لمدة ألف عام لذا رحب المصريون بالإسكندر الأكبر".
ويسلط المؤلف الضوء على طبقات الحكم في العصر الروماني، بقوله:" تأتي طبقة أقرباء الملك والأصدقاء من الدرجة الأولى، على رأس تلك الطبقات، ثم طبقة أقرباء الملك، تتبعها طبقة الخلفاء، ثم طبقة الحرس الخاص"، ويكشف لنا طبيعة الحكم البطلمي وآلياته، من خلال تحليله، في الفصل الثالث: الدولة والرعية، فيقول:" إن الشخصية الأساسية للإدارة في الحكومة البطلمية، كان الملك الذي يترأس الحكومة بشكل فعلي، حيث كان السلطة التنفيذية الأولى في البلاد".
ويورد المؤلف ملاحظة مؤسفة، في الفصل الرابع: الفقر والرخاء، فيقول:"  إن فرس النهر تراجع نحو الجنوب بعد أن كان يوما موجودا بأعداد كبيرة في الدلتا، ولكنها الآن اختفت من كل مكان بسبب ـ كما يعتقد سكان المنطقة ـ ضجرها من كثرة الصيادين الذين كانوا يصطادون منها أعدادا كبيرة".
ويتحدث بومان عن حال المصريين وطباعهم، فيقول، نقلا عن المؤرخ الروماني،:" بوجه عام داكنى البشرة تغلب علي وجوهم مسحة من الحزن وكانت أجسادهم نحيلة ولكن قوية وكانت حركتهم تتسم بالحماس والسرعة كما كانوا مشاكسين يميلون للعراك وشديدي الإصرار على إنجاز الأمور بطريقتهم دون غيرها".
ورغم أن الكتاب مليء بالأخطاء الإملائية والصياغة غير  الواضحة، وأن عميد كلية الآثار السابق راجعه، إلا أن المؤلف يغالط نفسه كثيرا، فمثلا عندما يتكلم في الفصل السادس عن التأثير الكبير للبطالمة واليونانيين على المصريين، مع أن العكس هو الواضح، من قوله إن كليوترا السابعة شبهت نفسها بحتشبسوت بعملها نفس الولادة الإلهية، التي قامت بها الملكة المصرية، وأن أغسطس كان يرفض تقديم الحيوانات أضحيات للآلهة، وفي الوقت نفسه تم تصويره وهو يقدم الأضحيات " الحيوانات" للألهة المصرية!.   
كما أن بومان أراد أن يثبت أن المصريين يحتفلون بآلهتهم في شخصيات الشيوخ مثل السيد البدوي، في أنه اتخذ مكانة ومكان أوزير مستندا لكلام شخص انجليزي في القرن التاسع عشر ولم يذكر لنا حتى اسم هذا الشخص، وماذا كان يعمل؟!
ويؤكد المؤلف أن أعظم إنجاز لليونانيين في مصر كانت المدينة التي حملت اسم الاسكندر، فيقول في الفصل السابع والأخير للكتاب: الإسكندرية عروس البحر المتوسط،:" كانت المدينة تهيمن وتسيطر على منطقة حوض البحر المتوسط الشرقية سياسيا وثقافيا واقتصاديا لمدة 6قرون ونصف القرن".
ويقول بومان في الخاتمة:" إذا كان تسليم بيزنطة للعرب عام 642م نهاية عهد قديم وبداية عهد جديد إلا أنه لا يجب رؤية الأمر على أنه فاصل أو قاطع بين عصرين في تاريخ حضارة وادي النيل، فالتغييرات السياسية، التي كانت نتيجة تقدم قوات الإسلام نحو الغرب لم تقم بمحو كل آثار العصر السابق".

 

تعليق عبر الفيس بوك