"خذ الكتاب بقوة".. قراءة للخارطة الجيوسياسية


أحمد عيد زايد – مصر


نحن منذ ما يقرب من قرنين نتعرض لحملة ممنهجة تخللتها لحظات خاطفة من الصحوة والمقاومة فى شكل محاولات جماعية أو فردية "الرجل الأمة" وجميعها تم وأدها فى المهد.. وتلك الحملات الممنهجة تسعى الآن حتى للقضاء على احتمالية تكرار تلك اللحظات وهى حاليا على أشدها... ومن أبرز سماتها: التجهيل العقدى "وهذه الأهم لفصلك عن كتاب: "نظرية وفلسفة وقانون يحميهم سيف"  وما يتطلبه من التسطيح الثقافى والفكرى مقرونا بالتغريب وتبنى النمط الاستهلاكي مسنودا بالتفسخ الأخلاقى، ومحو الرموز والقدوات من ذاكرة الأجيال الجديدة وتغذية الشعور بالدونية -واستبدال الثقافات الشرقية حتى غير المرتبطة بالإسلام لفصل الأجيال المتعاقبة تماما عن محيطها الثقافي والجغرافي... إلخ... وكل هذا لن يأتى بنتيجه دون وضع الأمة كلها على حافة الجوع أولا.
أمريكا بالمنظور البشرى ما زالت امبراطورية عظيمة وللحفاظ على هذا الإرث فمن أول اولوياتها تفكيك الحلف الشرقى... فالدول الثلاث التى تشكل وتقود الحلف الشرقى, مجتمعون يصنعون أيضا امبراطورية لا يستهان بها وهم معا منافس يكافىء الإمبراطورية الغربية الأمريكية..
الصين - المنافس الاقتصادى.
روسيا - المنافس العسكرى كجيش وتسليح أوتصنيع وبيع السلاح.
إيران - تضايقها جيوبولتيكيا "الجغرافية السياسية".
وأمريكا تفهم تلك المعادلة جيدا وكذلك الحلف الشرقى وبما أن أمريكا مكتفية بذاتها وليس لها تحالفات دائمهة وتدور مع مصالحها مع الجميع ما بين التبعية الخالصة لها أو تقاطع مصالح شبه مستديم يأخذ شكل التحالف نوعا ما ويمكن تقسيم النفوذ كالآتى:
دول الشرق الأوسط إلا نذر يسير وأمريكا اللاتينية - تبعية خالصة يصل الحال ببعضها لصيغة الاحتلال الكامل أو شبه احتلال إلا ما رحم ربي من أمثلة تسميها أمريكا "دولا مارقة"
-    حزمة دول أوربا الشرقيه - تتنافسها وتتقاسمها مع روسيا.
-    حزمة الدول الآسيوية - تتنافسها وتتقاسمها مع روسيا والصين.
-    حزمة دول وسط وجنوب اإريقيا - وهذه متروكة لإسرائيل وتنافسها الصين وإيران.
-    حزمة دول أوربا الغربية - كما ذكرت أعلاه فهذه تندرج تحت تقاطع مصالح شبه مستديم يأخذ شكل التحالف نوعا ما وتلك الدول هى من مخلفات حضارة سابقة تلفظ أنفاسها الأخيرة!
وعلى العكس من ذلك فالدول الثلاث التى تقود الحلف الشرقى لا غنى لإحداهما عن الأخرى ولا تعمل إحداهما بشكل فردى إلا فى أضيق الحدود ويعلمون جيدا أن مصيرهم مرتبط معا وإن لم يمضوا معا كالجسد الواحد ويتوسعوا فى نفوذهم جغرافيا فسوف تأكلهم أمريكا واحدة بعد الأخرى...
لهذا فتحالفهم مستديم وقوى ويتغاضى فى كثير من الأحيان عن المصالح الفردية!
- في هذا السياق لا نصنف أمريكا كحضارة فهى تقدم تقنى واقتصاد عملاق أكثر منه حضارة وما زالت تقتات على حضارة أوربا الغربية السابقة بينما دول الحلف الشرقى كل واحدة منهم صنعت حضارتها وامبراطوريتها الخاصه أكثر من مرة فى عدة دورات تاريخية سابقة ولعل هذا من عوامل تقاربهم وانسجامهم الذى سوف ينفرط حال الخلاص من أمريكا!
* نقاط سريعة هامة عن دول الصف الثانى:
- التقاء المصالح أحيانا بين الحليفين لا يعنى أبدا أنهما يتبنيان الأجندة نفسها!
- في إطار صيغة التحالفات والمصالح فإن سياسة الأحلاف تنظر إلى منظومة الدول الإسلامية باعتبارها عدوا لنا ونحن كشعوب مسلمة لا حلف لنا وإن ظهرت أى بادرة فهنا تلتقى المصالح!
- لا ينبغي الانحياز لأي فريق وعدم الركون لأي منهما فلن يرضوا عنك "حتى لو كنت في القلب منهم!
- إيران على عداء فعلى مع اإرائيل وأمريكا وليس كما يروج البعض فلا تضعهم فى سلة واحدة!
- تركيا أتاتورك واردوجان دولة قومية علمانية تدور مع مصلحتها بين الحليفين ولكن بالنهاية هى عضو بحلف الناتو ومخزن قواعد أمريكيه كبير, تناور أحيانا لتحقيق بعض المكاسب هنا وهناك ولكن ضمن خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ومصيرها النهائى ساعة الحسم هو بيت طاعتها الأمريكى فعلينا الخروج من وهم الخليفة العثمانى!
كلنا يعلم أن الغريق " يتعلق بقشهة " ولكن لا تخدعن نفسك!
تركيا وضعها مشابه لإيران ومن الدول صاحبة الحضارات والثقافات المميزة ولكن هضمتها أوربا، ثم من بعدها أمريكا ولم تستطيع أن تميز نفسها داخل الحلف الغربى كما يفعل الفرس داخل حلفهم رغم محاولات أردوجان الذى يحاول أن يكون له خط مميز خاص به بعيدا عن الأتاتوركية الواضحة فالرجل لا يستطيع حسم أمره بالتحديد فالجمع بين منهجين متنافرين تماما فى الوقت نفسه مهمة مستحيله وغير منطقية فانتهى أمره بدولة قومية تابعة لا تعرف تحديدا هويتها... ربما لأن الاتراك حضارتهم ارتبطت بالإسلام وكانت قائمة عليه بالأساس رغم النكهة القومية التى صاحبت تلك الحقبة على خلاف الفرس صاحبة الحضارات العرقية القومية الخالصة.
أما مصر السادات ما بعد 73 ثم مبارك والسيسى هواها صهيوأمريكيّ وحسمت أمرها أو حُسِم لها أمرها خاصة بعد كامب ديفيد وأصبحت دوله تابعة تماما بكل مؤسساتها للحلف الأمريكى لدرجة أنه يمكنك تصنيف جيشها حرفيا بفرقة تابعه للبنتاجون وكل ما تفعله هو محاولة الابتعاد بقدر الإمكان والانكماش على ذاتها حفاظا على ورقة التوت حتى يأتى الوقت المناسب ويروا أن المغامرة بورقة التوت مستحقة!
للأسف لا أستطيع أن أصنِّف مصر الآن كصاحبة إرث حضارى مستمر لطول فترة انقطاعها عن حضارتها الأولى والوحيدة فنحن نتحدث عن آلاف السنين والفجوة اتسعت جدا لتبلع بقايا تلك الحضاره "الفرعونية" وخاصة أنها تعرضت لموجات احتلال مستمره منذ ما قبل بداية التاريخ الميلادى بعشرات القرون وهى الآن "شعبويا" أكثر ارتباطا بطورها الحضارى الإسلامى الأقرب عهدا ..
أما الشعوب المغاربية وعلى قدر أهميتها ولكن كأن القوم ليسوا معنا, ليبيا التى تأكل نفسها وتونس تلك المحمية الفرنسيه تلبس ثوبا علمانيا فضفاضا أو هكذا اُريد بها أن تبدو لنا والمغرب الغامض التى تقدس ملكها والجزائر دخلت فى غيبوبة هويّة وتحدثنا من عالم البرزخ أما الذى يستحق الذكر هو محاولة الاستقطاب التى يمارسها الحلف الشرقى مع الجزائر التى بدورها تبدي بعض الاستجابه وصراحة هى أهم الدول المغاربية اقتصاديا وشعبيا وعسكريا بين الدول الاربعة...!
أما باكستان فوضعها أشبه ما يكون بوضع مصر وإن تغيرت الظروف فأجندتها موضوعة بكل سيناريوهات المستقبل، أما عن شبه الجزيرة العربية فهي الأهم اقتصاديا وجغرافيا للقطب الأمريكي ويمكن اعتبارها حرفيا الصندوق الاحتياطي للنقد الأمريكى!
ودون ذلك فأغلب ما يحدث حولك هى مجرد تفاصيل صغيره لا تسمن ولا تغنى من جوع وملهاة كبيرة تبتعد بك عن المسرح الحقيقى, فلا تتركهم يضعوك داخل متاهة الفئران... ابتعد فورا !
فالإسلام الحقيقى دولة وأسلوب حياة وليس فقط ديانة وكانت له تجربة سابقة فى صنع حضارة استمرت لقرون، وأى حضارة لابد لها من كتاب "نظرية وفلسفة وقانون يحميهم سيف" وعمر الحضارات يعتمد على قوة الكتاب ومدى تمسك أصحابه به ..
والحلفان الشرقي والغربي يعلمان جيدا قوة كتاب الإسلام وأن التخلص منه من المستحيلات ولكن يتبقى لهم ضرب مدى قوة تمسك أصحابه بمحتواه وحجم تلاعبهم بفهمك له وهذا تماما ما يفعلونه الآن بطرق مختلفة حسب الفروق الفردية وتطلعات و اهتمامات كل مجموعة من الناس داخل المجتمع الواحد والأهم عندهم هى المجموعات صاحبة الهوى الديني.
وفي الأخير ..
لا تفكر فى الأمر بشكل مادي وتترك الجوانب الأهم لأن هذا ما سوف يقدمونه لك فى النهاية بعد إيصالك لمرحلة الجوع ثم اليأس... اقتصاد استهلاكى يبدو لامعا وبراقا ولكنه هش ومزيف حتى تبقى دائما تحت السيطرة, حتى هذا لن تأخذه مجانا فسوف تعمل من أجله حرفيا كـ "ثور الساقية" والأهم أنه سوف يأتى مصحوبا بعقد بيع نهائى لدينك وثقافتك وهويتك وكرامتك !
ولذا حافظ على نفسك لا تتركهم يفعلون بك ذلك فالأمر بنسبةٍ ما ولو حتى ضعيفة ما زال بيدك "فخذ الكتاب بقوة" حتى ولو بالقوة التى على قدر استطاعتك "حاليا ومؤقتا" ولكن لا تتركه بكليَّته ولا تأخذ بعضا منه وتترك بعضا ولا تحرفه...  وعلى اسوأ الأحوال إن لم تستطع فاعلم والزم واعترف ولكن لا تبتسره ولا تحرفه ليوافق هواك ويرتاح ضميرك..
وفي الأخير لا أعلم غير هذه النصيحة "خذ الكتاب بقوة" ولكن كلى يقين أننى سوف نشهد قريبا حلحلة لهذا الوضع بشكل ما؛ فمن المستحيل أن يستمر هذا الوضع لأكثر من مئة عام وقد شارفنا على نهايتها والدورات التاريخية حتمية الحدوث لاستمرار الحياة!
الأمر نوعا ما بيدك إن أردت دورة تاريخية جديدة فالكون كله سوف يعمل معك بطبيعة الأمور ومجرياتها وإن استسلمت تكون قد عكست الدورة التاريخية الكونية ليطال أطفالك وأحفادك هذا البؤس والمذلة وفقدان الهوية الذى نحياه الآن بل إن الأمر سوف يتفاقم وإن هانت عليك نفسك وفرطت فى حقها فبكل تأكيد لن تهون عليك فلذات أكبادك!.. كل ما استطيع قوله الآن: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا).

 

تعليق عبر الفيس بوك