مسؤولية اجتماعية تقود التنمية

حاتم الطائي

 

"المنتدى العماني" يؤكد أنَّ المسؤولية الاجتماعية التزام وطني مستدام وليست عملا طوعيا مؤقتا

التكاتف المجتمعي من أجل التطوير والبناء بات حتمية تفرضها الظروف والمتغيرات

تتفق التعريفات الخاصة بالتنمية على أنَّها عمليةٌ مُتكاملةٌ تستلزم مُشاركة جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع- أيِّ مجتمع- لضمان نجاحها، وتحقيق ما ترنو إليه من تطلعات وتطمح له من آفاق، وفي مُجتمعنا العماني انطلقت مسيرة التنمية الشاملة مع بزوغ فجر النهضة المُباركة، وقد حققت إنجازات لا تغفلها عين في شتى المجالات، بقيادة حكيمة من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- وبسواعد أبناء الوطن، الذين لبوا نداء النهضة وأسهموا في تنفيذ مشروعات التنمية في كل أنحاء عُمان.

ونحن في جريدة الرؤية- ومنذ البداية- أيقنّا هذه القاعدة الأساسية، وهي أنَّ جميع فئات المجتمع، مؤسسات وأفرادا، عليهم أن يشاركوا في مسيرة التنمية، من خلال البناء والتحديث، ولذا طرحنا نهج إعلام المُبادرات، وأطلقنا المبادرات الاجتماعية واحدة تلو الأخرى، إيمانًا منِّا بالدور المناط بنا كمؤسسة إعلامية، وانطلاقاً من الرغبة الصادقة في رفد مسيرة العطاء العمانية بمزيد من الأفكار والرؤى البناءة. وقبل عام من الآن، أطلقنا مُبادرة المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية، لنؤكد من خلالها على أهمية دور الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، باعتبار أنَّ هذا الأخير يتحمل الكثير من المسؤوليات في عملية التنمية الشاملة، وأنه قادر على الإسهام بقوة في تحقيق أهداف التنمية وغاياتها، بل إنه خلال السنوات المُقبلة سيكون ركيزة التنمية الأساسية، وفي قلب جهود التطوير ومواكبة مُتغيرات العصر. طرحنا- وقتئذ- مبدأ الشراكة لأننا نرى وبحسب المُعطيات أنَّ الحكومة في ظل المتغيرات التي تجري هنا وهناك، لن تتحمل المسؤولية والعبء بمُفردها، بينما القطاع الخاص ينتظر الحكومة لكي تسند له أو تمنحه المشروعات، فمؤسسات الدولة الرسمية ينبغي أن يكون دورها تنظيميًا وتشريعيًا ورقابيًا وتخطيطيًا، بينما يقع على عاتق القطاع الخاص مسؤولية التنفيذ والاستفادة من الفرص المتاحة، لاسيما في القطاعات الواعدة، فلم تعد الدولة الآن هي المستثمر الأوحد، بل يجب أن تؤول الاستثمارات إلى شركات القطاع الخاص، وهي قادرة وتملك الآليات والموارد، بشرية أم مادية، لتنفيذ مختلف المشروعات الإنمائية، وتحقيق عائدات ربحية منها؛ إذ إنَّ البعض يتنصل من مسؤولية تنفيذ مشروعات التنمية على اعتبار أنَّها لا تدر ربحًا أو عائدات.

وما سبق يقودنا حتماً إلى الحديث عن المسؤولية الاجتماعية، وهي الركن الأساسي في هذا المُنتدى، فلا تنمية شاملة تتحقق دون مسؤولية اجتماعية من مؤسسات القطاع الخاص، وغير ذلك لم يعُد ممكنًا في الوقت الحالي، فنموذج الدولة الراعية لمُختلف الأنشطة الاقتصادية والتنموية لم يعد قائمًا، لاسيما في ظل التحديات الاقتصادية والظروف المُحيطة بنا. والمسؤولية الاجتماعية- كما أكدنا مرارا- لم تعد رفاهية أو ضربًا من "العمل الخيري"، بل التزام وطني لدعم مؤسسات الدولة في تنفيذ مشروعات التنمية ووصول نهر العطاء لكل بقعة في هذا الوطن الغالي.

ولقد كان المُنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية سبّاقا في طرحه خلال الدورة الأولى، عندما أعلن في ختام أعماله عن حزمة من التوصيات الطموحة، تتصدرها الدعوة لتبني الميثاق الوطني للمسؤولية الاجتماعية والاسترشاد بالبنود التي طرحها المُنتدى في هذا الشأن، وكان من أبرز هذه البنود السعي لإنشاء صندوق وطني للمسؤولية الاجتماعية، تشارك في تمويله الشركات الكبرى والعالمية، بحيث تذهب مخصصاته إلى دعم وتمويل المشاريع التنموية المُجتمعية.

النجاح الذي تحقق في الدورة الأولى والتفاعل الكبير الذي لاقيناه من قبل مؤسسات الدولة وأيضًا شركات القطاع الخاص، حفز العديد من الشركات لتبني تنفيذ مشروعات المسؤولية الاجتماعية، فزاد الحديث عن هذا النوع من المشروعات التي تخدم مسيرة التنمية وتدعم جهود التطوير في كل الولايات. ولا أدل على نجاح المسؤولية الاجتماعية للشركات في تنمية المُجتمع، من حجم الجهد الذي بذل في ولاية صلالة بعد إعصار مِكونو، فقد شاهدنا جميعًا شركات القطاع الخاص تتسابق للإسهام في عملية إعادة تأهيل المنازل والشوارع التي تضررت من الإعصار، وكذلك ملايين الريالات التي تم الإعلان عنها من قبل مؤسسات كبرى في القطاع الخاص وتقديمها كمساعدة للسكان. نماذج وأمثلة المسؤولية الاجتماعية في بلادنا لا تتزامن حصراً بكل تأكيد مع ما يلم بنا من تحديات أو ظروف استثنائية، بل هي عديدة وماثلة للعيان، وما تقوم به شركات النفط والغاز- مثلا- برهان آخر على نجاعة إستراتيجيات المسؤولية الاجتماعية في دعم جهود الدولة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فمبادرات التوظيف والتدريب المقرون بالتشغيل التي يتم الإعلان عنها بصفة دورية، هي أحد أهم جوانب المسؤولية الاجتماعية، وكذلك الحال فيما يتعلق بشراء أجهزة طبية وافتتاح أجنحة في مستشفيات أو تطوير مدارس أو شراء حافلات، وغيرها الكثير من المشاريع التنموية.. لكن في حقيقة القول نرى أنَّ المسؤولية الاجتماعية يجب أن تتقدم بصورة أكبر من هذه المشروعات، وهي مشروعات قيّمة بلا شك، لكننا نأمل أن نرى مشروعات مسؤولية اجتماعية تؤسس لفرص عمل لشبابنا، مشروعات تدعم نمو اقتصادنا، عبر زيادة الإنتاجية وتعزيز الصادرات من المنتج العماني، لضمان التنمية المستدامة وليس فقط مشروعات وقتية.

ولذلك يطرح المنتدى العُماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية في دورته الثانية هذا العام (2018) عنوان: "التزام وطني لدعم التنمية المستدامة"، في مسعى لتأصيل عنصرين أساسيين؛ الأول التأكيد على أنَّ المسؤولية الاجتماعية- وكما ذكرنا آنفا- يجب أن تكون التزاما وطنيا، وليس مجرد عمل طوعي في صورة تبرعات خيرية، والعنصر الثاني يتمثل في ربطها بالتنمية المستدامة، فهي ليست مشروعات مُحددة بإطار زمني ضيق تحقق أهدافًا مؤقتة، بل يتعين أن تنشد الاستمرارية وتواصل العطاء.

وعندما نتحدث عن التزام وطني، لا نقصد بأيّ حال إجبار المؤسسات على المسؤولية الاجتماعية، لكن في المُقابل ندعوهم للإيمان بأنَّ هذا النوع من المشروعات إنما هو مكسب إنمائي يعود بالنفع على الشركة، فتدريب وتأهيل الشباب العماني يحقق منفعة وطنية كبرى، فهذا الشباب سيتدرب على العمل وفق قواعد وطريقة عمل الشركة فضلاً عن إعداده للالتحاق بالعمل مؤهلا دون عناء.

إنَّ المسؤولية الاجتماعية قادرة على الإسهام في قيادة قاطرة التنمية وبلوغ محطات إنجاز مضيئة، فالتكاتف المُجتمعي من أجل التطوير والبناء، بات ضرورة حتمية تفرضها الظروف الحالية، وخياراً أمثل للتعامل مع التحديات والمتغيرات، لاسيما فيما يتعلق بخلق الوظائف واستدامة التنمية في شتى المجالات.