حمد العلوي
عندما تقف عُمان على المنصة الخضراء، وتحت القبة الزرقاء في الأمم المتحدة، وتخاطب العالم بقوة الحق، ذلك ما يمليه عليها ضميرها الحي تجاه الإنسانية والواجب والعدل، وعُمان التي عرَّفها التاريخ بأنّها مشعل للحق والعدل وكعبة المضيوم، لا يمكنها اليوم أن تنسلُّ من قيمها ومبادئها، وذلك إرضاءً لمحدث باغٍ في الأرض موهوم، فعندما يقف الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العُمانية، ويخاطب العالم باسم عُمان وسلطانها الحكيم، ويقول إنّ فلسطين تتعرض لظلم شديد، وإنّ اليمن تتعرض لتدمير الأرض والإنسان، وإن سوريا تخرج منتصرة بعد حبكة دولية وكان لبعض العرب في ذلك القدح المعلى للأسف الشديد.
وقد حان وقت التكفير عمّا مضى يا عرب، وإنّ الذي يحصل من حروب وشرور على البلاد العربية، سببه ضعف العرب وخذلانهم لبعضهم بعضا، فيجب أن يوقف حالاً وفوراً، فهذا الكلام الذي قاله بن علوي في الأمم المتحدة، ليس مجرد لغو كلام، أو فلاش إعلامي برَّاق، ولكن عُمان تعلم علم اليقين والخبير أنّ السلام والأمن والاستقرار لن يسود هذا العالم، ما لم يكن ذلك هدفاً أممياً يحترمه الجميع، ويُعمل على تحقيقه بتعاون كافة الدول، وذلك عن قبول وقناعة، وتعهد صادق بترسيخ ذلك واقعاً معاشاً على الأرض، لا مجرد خطب رنانة ثم تنسى.
إذن الصدارة دوماً تكون حيث تقف عُمان، وذلك بحكمتها وحكمة سلطانها لا سلطتها، فهي لا تقف حيث يجلس المال، لأنّ المال فيه الفساد والإفساد، وهناك بلاد عربية لم تستطيع أن تقول كلمة الحق، وهي جديرة بذلك بسبب مكانتها التاريخية والجغرافية، ولكنها آثرت السكوت، والانزواء وراء الحاجة والعوز النفسي، وليس المادي بالطبع، وها هي عُمان تنشد الحكمة وسداد الرأي، فتقول كلمتها بصوت قوي عالٍ، لأنّها آلت على نفسها ألا تحيد عن طريق الحق، وما تراه صواباً إلا أن تؤكد عليه، ولأنها محمَّلة بإرث تاريخ طويل من الوقوف بالحق والعدل، فقد ذبّت عنه بالسيف والدم؛ وقتما كان ذلك ممكناً، ولا تقبل السكوت على الضيم اليوم، حتى ولو لم يقع عليها مباشرة، وهي تعتبر ظلم الشقيق ظلم الباطل على الحق.
فعُمان ومن هذا المنطلق تأتي اليوم إلى الأمم المتحدة، وذلك لكي تقول إن فلسطين يقع عليها ظلم كبير، ومستمر من عشرات السنين، فينبغي على العالم رفعه عنها، وقد دأبت على قول الحق على مدى العقود الماضية، وبنفس الوتيرة من القوة والوضوح، وألا مواربة في هذا، ولا مجال لأية تسوية لا تأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني على أرضه، وفي وطنه "فلسطين" فإذا تذبذبت مواقف عربية كثيرة في شأن فلسطين، فإن عُمان هذا موقفها الثابت، والدائم ودون كثرة الكلام، ولا اضطراب في موقفها تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، مهما تغيرت مواقف الآخرين بين مد وجزر.
لقد أعلنت عُمان وبضميرها الحي، ومن على منبر الأمم المتحدة، إنّ عليها كذلك واجبا إنسانياً ودينياً تجاه اليمن الجار أولاً، والشقيق ثانياً، والذي يتعرض لأسوأ حالة إنسانية يمرُّ بها اليوم، بأنّها تعالج جرحاه دونما نظر إلى انتماءاتهم الحزبية أو العقائدية، فعُمان لا ترى الإنسان اليمني، إلا إنّه يماني وحسب، وبغض النظر عن كل الانتماءات، وأنّها أي "عُمان" لن تسدُّ بابها تجاه جارتها اليمن مطلقاً، وهي تمر بأسوأ الظروف في الوقت الراهن، فذلك ليس من الشيّم العربية العُمانية، ولا القيم الإنسانية والأدبية، وأنّها إلى جانب تقديم الخدمات الإسعافية والصحية العاجلة، فأنها ستظل تقدم الاحتياجات الضرورية للأشقاء اليمانيين قدر المستطاع.
وأنّ عُمان تطالب بقوة الأمم المتحدة، أن تفعل الشيء نفسه وبصورة عاجلة، وفي نفس الوقت ستظل تبذل قصارى جهدها على التوفيق بين جميع الفرقاء، ولن تبخل بأي جهد قد يساعد اليمن في الخروج من أزمته الحالية، وتدعم بنفس القوة جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، وتأمل أن تتكلل جهوده بالنجاح، وأنّها ترى أنّ التدخل في الشؤون الداخلية للغير، يُعد الأمر الرئيس المعقد للأمور، ويعطِّل كل المساعي التي توقف النزيف الدموي، ويُلغي كل مسعى للحلول السياسية بين المتخاصمين في اليمن.
وإن عُمان ترى دون ريب أنّ حل المشاكل لا يكون بالقوة العسكرية، وهذا أسلوب غير صحيح، وهو مضرِّ ولا نفع فيه، إلا القتل والدمار، وتعميق الفجوة بين الشعوب، وزرع الضغائن والكراهية لعقود قادمة، وتوليد الثارات بين البلدان والدول، والقوة العسكرية لا تكون للعدوان، وإنّما للدفاع عن الوطن ورد العدوان، ولكن ما نراه في اليمن قتل بالجملة للنساء والأطفال والضعفاء من الناس، ولا نرى شيئاً تحقق من الأهداف المعلنة، وكرأي شخصي لي كمتابع أرى أنّ الذي يحدث في اليمن تدمير وخراب للبنية الأساسية، وفتك بالأرواح، سواء كان ذلك بالسلاح أو بالأمراض والجوع، وانتشار الجريمة والخوف وهدر للحقوق، أو بانعدام الخدمات العامة، وحصار ظالم دون مبرر، أو مسوغ قانوني أو إنساني؛ وأنّ ما يسمَّى بالشرعية، لا وجود له على أرض الواقع.
إن عُمان التي تتكئ على قرون بعيدة من الخبرة والسيادة، لا تنتظر توجيها من أحد، حتى يملي عليها واجبها، أكان ذلك تجاه الداخلي، أو تجاه جيرانها أو تجاه العالم، وإن لديها مخزوناً كبيراً من الحكمة والبصيرة والصبر، ذلك لمن أراد أن يقتدي بسياستها وحكمتها، وأخذ النصيحة منها لتجنب الوقوع في الشطط والمخاطر، ويبعدهم عن الوقوع في مهاوي الردى، فيختصر على نفسه البحث والتجريب بين الصح والخطأ، وعلى رأس ذلك الرضا بما قسم الله له، ومخافة الله رأس الحكمة التي ليس بعدها حكمة.
ترى هل بُعد العرب عن مخافة الله كان سبباً في تشتتهم وضعفهم؟ ألا يكفينا ويشفينا قوله تعالى:(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران (85)..؟ إذن لا يكفي أن تكون ولادتك من أبوين مسلمين حتى تكون مسلماً، وأنت لا تعمل بحكم كتاب الله، ولا تلتزم حدوده الشرعية، وتملأ الدنيا ضجيجاً وتحديثاً بالقرآن والسنة، وسلوكك وتصرفاتك تخالف ما تقول، وسبحانه وتعالى قال في موضع آخر من القرآن:(.. أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) المائدة (32) وعشرات الآيات في القرآن الكريم، تدعو إلى العفو والإحسان تجاه الإنسان، وذلك قبل أن يكون مسلماً، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للذين قتلوا نفساً مشكوكاً في إسلامها، هلاّ شققتم عن قلبه، وعلمتم علم اليقن أن قلبه ليس فيه ذرة من الإسلام.
اللهم ثبتنا في عُمان على عقيدة الإسلام، وثبتنا على الأخلاق وحب الفضيلة وحب الناس، وثبتنا كذلك على القيم الحسنة والتسامح والوسطية، حب الأمن والسلام لنا ولجميع الناس، اللهم أحفظ عُمان وسلطانها الفذ الحكيم من كل مكروه، وأبعد عنَّا شرور الشيطان الرجيم وإخوانه واعوانه من الإنس والجن، اللهم آمين يا رب العالمين.