علي بن مسعود المعشني
تحدثنا مرارًا عن أهمية تناغم الأداء في منظومة الحكومة ودوره في سلاسة تمرير مشروعات التنمية والارتقاء بالاستثمار والأعمال وتشجيع المبادرات الفردية فبدون هذا التناغم المسؤول تتجذر البيروقراطية وتتكلس العقول وتتعطل التنمية ويتخندق كل موظف خلف جدار وزارته ويسعى كل مسؤول لتسجيل نقاط لصالحه ويتشظى مفهوم الصالح العام والتكامل الحكومي ويحل محله مبدأ الوجاهة الشخصية.
لاعيب في تكرار الحديث عن غياب التناغم في الأداء الحكومي لأنه ركن هام للغاية من أركان الدولة العصرية وهويتها الإدارية وعامل أساس لنهضتها ومواكبتها للعصر وترجمة حقيقية وصادقة لمفهوم المصلحة العامة للدولة.
كان حرياً بنا مع حلول الذكرى الـ40 لنهضتنا المُباركة أن نتوقف لتقييم ما أنجز وأن يتم تقييم الأداء الحكومي والتشريعات والإجراءات القائمة قبل أن ننطلق نحو المزيد من العناوين والشعارات والمشروعات كالحكومة الإلكترونية والتوسع في الوحدات والهيئات الحكومية والتي أكسبت الحكومة المزيد من التضخم الإداري والترهل في الشكل والمضمون في وقت تتسابق فيه بلدان العالم إلى ترشيق أجهزتها الإدارية وزيادة فاعليتها وتسريع أدائها.
حديث النَّاس اليوم يدور حول قصص غريبة وعجيبة لإنجاز معاملاتهم والتي أصبح بعض منها في عداد التعجيز الظاهر والبعض الآخر في عداد السخرية والكوميديا السوداء. ولاغرابة في عزوف الكثير من المواطنين وتحرزهم من خوض أي تجربة جديدة تدفعهم لرحلة الألف ميل بين جنبات المكاتب الحكومية ما لم تكن هناك ضرورة قصوى لذلك، فقد اكتفى البعض بالضروريات فقط من المعاملات والتي لاغنى عنها كجواز السفر والبطاقة الشخصية والمركبة الخاصة ورخصة القيادة وألغى التفكير في أي معاملة أخرى وعلى رأسها الأنشطة التجارية مهما كان حجمها وربحها خوفًا من دوامة الإجراءات وعنصر المفاجأة غير السار في كل حين ففضل الحفاظ على نفسيته وسكينته وهدوئه واستقراره. لم يسلم قطاع واحد للأسف من عناصر الطرد بفعل شيوع البيروقراطية وتجذرها وتغلغلها في مفاصل الحكومة حتى وصلت إلى مشروعات حكومية وبأوامر سامية كمشروع صندوق الرفد والذي تشكل البيروقراطية الحكومية 67% من تعثره ومشكلاته!!
وفي الأخير تهرب الحكومة إلى الأمام عبر عناوين براقة كتنفيذ وشراكة بدلًا من التفاتها حول الموجود وتقييمه وتقويمه فتكون التنيجة المزيد من الغموض والإخفاق فما استشكل على الحكومة فهمه في أربعة عقود ونيف لا يُمكن أن تفهمه عبر ستة أسابيع تنفيذ!! وما استشكل في علاقة القطاع العام بالقطاع الخاص لا يمكن اختصاره في مبدأ شراكة بكل بساطة لأنَّ الموروث أعظم وأعمق من هكذا اختصار والمشكلة الجذر ليست في العناوين والقفز فوق الواقع رغم مشروعية بعض تلك العناوين بل بالإقرار بأنّ الجهاز الإداري للدولة يُعاني من أمراض كثيرة معضلة تحتاج إلى علاج وتصحيح قبل الانطلاق نحو الجديد وعلى رأس ذلك تحقيق التناغم والتكامل في الأداء بين وحدات الجهاز الإداري للدولة وتبسيط الإجراءات وترشيق الجهاز الإداري وزيادة فعاليته وإنتاجيته وذلك باعتبار جميع الخدمات الحكومية بمثابة سلعة تستوجب حفها بكل عناصر الجذب ولزوميات التسويق. مع الإدراك واليقين بأننا بغير هذه الخطوة لن نتقدم ولن نحقق مانصبو إليه من ممكنات أو طموح.
مرَّ علينا ما يُقارب العقدين من الزمان ونحن أعضاء في منظمة التجارة الدولية وبحسب علمي فإنَّ من شروط العضوية تيسير النشاط التجاري عبر دمج جميع مراحل النشاط في جهة اختصاص واحدة فقط إضافة إلى استحداث أي نشاط تجاري غير مدون، والمتابع لدينا يجد أنَّ الأنشطة التجارية لا تزال موزعة بين جهات حكومية عديدة تتضاد في اشتراطاتها وتتراوح في مددها ولاتزال العديد من الأنشطة الجديدة غير مصنفة وغير معرفة لدى الجهات المختصة.
يبدو لي ولغيري ومن واقع الحال والمُعالجات والنتائج على الأرض أنَّ الحكومة لم يعُد لديها ما تُقدمه وأنها استنزفت جميع الحلول من داخل الصندوق وأعادت تدويرها مرارًا وتكرارًا وبذات النتائج وبالتالي فإنه لا مناص ولا محيد لها من طرق حلول عقول حيادية من خارج الصندوق تمتلك الكثير من الرؤى والطرح والحلول ولا تحتاج سوى إلى من ينصت لها ويأخذ بمُقترحاتها.
قبل اللقاء: ليس من المعقول أو المقبول عقلًا أو منطقًا أن تصل بنا الأمور إلى عقد ندوة تكلف مئات الآلاف من الريالات لحل قضية لا تكلف نصف تكاليف الندوة وكما حصل في ندوة تقييم أداء صندوق الرفد والذي يُعاني من بيروقراطية الحكومة وتعثر تحصيل مبالغ أنشطته من الجهات الحكومية أكثر من غيرها!! وهذا ديدن أغلب الندوات والمؤتمرات والتي أصبحت فولكلورا أكثر منها تقديم حلول وتطوير.
وبالشكر تدوم النعم