عمان.. أولا وأخيرا

 

محمد بن حمد المسروري

قرأت في الأيام القليلة الماضية مقالات لشباب عمانيين، ولرجال من عقلائهم المخلصين لهذا الوطن، من واقع الغيرة عندهم حول المتربصين بعُمان الوطن وعمان الشعب، وهم ليسوا قليلين على أي حال، ومبثوثون في كل قارات الأرض التي ننتمي إليها في الحياة وبعد الممات.

 كان المثل العربي يقول (الجار قبل الدار)، هذا في جغرافية المكان الضيق عندما يكون جارك (الجنب) تشتركان في جدار واحد دون علامات أشواك (القَصَدْ) تذهب بكل الرحابة والأريحية إلى باب بيته بما استجد لديك من طعام أو شراب أو كساء ليشاركك فيه، كي لا تتلذذ به دونه وهو جارك، وتتلقى منه لذائذ ماعنده من طعام وشراب كذلك، وتبادل الهدايا الجميلة لمزيد من واجبات التحاب بينكم والتوادد وحفظ حسن الجوار حتى سابع جار لك، يمنة ويسرى وما قابلك من جوار، كل ذلك وصى به الله بحكمته عزّ وجلّ لصلاح أحوال خلقه، وجعل التوادد بينهم منهاجاً يبتدرونه وينتظمون فيه سلوكاً في مجمل حياتهم لينالوا حسن الخاتمة في آخرة نعمر بنيانها في الحياة الدنيا لنظفر بمكان- إن شاءالله- في غرف من جناته عز وجل في آخرة سنبلغها دون ريب.

أما إن جار عليك جار تنكب الجادة وحاول بكل فأس ملك، أن ينال من حسن جوارك له كان لك الحق (شرعا) في تغيير باب بيتك بداية في اتجاه آخر لتشعره بعدم رضاك عنه.

ولكن في الجغرافيا الأوسع التي تفرض عليك جارا انتزع منك صفة الجوار باصطياد جزء من كلك الأزلي، وانشطر من صلب وحدتك برغبة وطموحات تتجاوز كله، وأحلام توهم فيها ظله في غيمة ربما أخفت عن عينيه شمس الظهيرة، فإنّه يتعذر عليك تغيير باب بيتك والانطواء على ذاتك، لأنه قبل أن يكون إزميل نقّار في جدار بذلت جهدك ووقتك ومالك في بنائه، لإتقاء رياح السموم من حيث ما أتت، ولكن تدعوه إلى ثواب الرشد بالعودة إلى جذر نبت منه، وأصل شجر تكوّن منها، ليعود إلى رشده والتخلي عن هوى يعلم -ربما-بكل جوارحه وإمكاناته، مخاطر سلوكه المنحرف ذاك بكل مافيه من إعوجاج، من حيث الطموح فيما لا يمكنه الحلم به قبل تحققه.

جار همه الجور على من جاوره، ظن أنَّ التآمر على جار تبناه وأوسع له في أرض يملكها شعب مقيم عليها وليس لأحد مهما كان وضعه ومكانته، منحها لغير أبناء الوطن العماني، كل ذرة تراب من أرض عمان أعطيت لذلك الجار قرارا أو خلسة واختلاساً - وما أكثر المختلسين- يعد ردا، وجب علينا الرجوع عن ذلك العطاء والتنازل، بل ومحاسبة كل من تراخى أو تنازل عن ذرة رمل من تراب الوطن العماني بداية، ولن ننقل باب بيتنا عن جار تقصد وطننا بأي وسيلة ملك، مرة بالمال من باب الإهداء الخبيث، وتارة بالتودد وتقبيل الأنوف للتحبب إلى الطيبين بحكم أنّ العمانيين مشهورين بالطيبة ودماثة الخلق وبساطة في التعامل، بل الواجب على العماني كل العمانيين ذكورا وإناثا الوقوف بكل اليقظة لما يحيكه جار بسوء نية تجاه وطنهم، بداية من حجر أموالهم عن أسواقه والتوجه إلى السوق المحلي، وفي هذا تحقيق هدف ثان أيضًا، وتوفير فرص عمل لأبنائنا وتدوير السيولة المالية داخل الوطن العماني.

وثانيها حرمانه من فرصة احتكاره للمواد بمختلف أنواعها واعتمادنا على ما يوفره المستثمر الوطني- الكسول الآن- والذي يتوجب عليه إظهار مهارته وإخلاصه لوطنه، في جلب كل ما تحتاج له البلاد من مواد هو الرابح الأول فيها، وحرمان ذلك الجار منها أسوة بما فعله تجار الخضار والفاكهة منذ بضع سنين وقبلها بسنين عديدة السيارات اليابانية في بداية السبعينيات من القرن الماضي لمن يتذكر، على كل أفراد المجتمع العماني وفي مقدمتهم رجال المال والأعمال أن ينظروا لوطنهم عمان وليس فقط لما يملكون ويحققونه من فوائد وأرباح سريعة ستكون خسارة لهم إن لم يتنبهو باكراً، ذلك أن التهديد المباشر وغير المباشر يشمل الجميع ولن يسلم أحد من نار فتنة بدأت نواجذها تظهر على محيا جار تغاضينا كثيرًا عن سوءاته، وغضينا أيما طرف واعٍ عن حقده ومكائده، فلينهض أبناء عمان كل في مجاله واختصاصه، لحماية وطنهم في الرخاء قبل أن تستدعيهم الشدة وهم في سبات من عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية، واستدعي هنا قول الرسول الكريم عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)

فلايجب أن ننتظر تعليمات تصدر لنتصدر المشهد وحينها يشار إلينا ببنان الفهم أو التزلف.

كل مواطن على هذه الأرض الطيبة الشريفة بأبنائها البررة، عليه مسؤولية المشاركة بساعده وفكره وقلمه، مساهمة في رفعة شأن عمان، لأن في ذلك إسهام منه في إعلاء شأنه هو ومن ثم أسرته وولايته وكل شبر في أرض عمان العزة والإباء، الكل مدعو للقيام بواجب الحفاظ على ألفة المجتمع العماني ووحدته وتقوية لحمته، والوقوف صفاً واحداً في وجه الأطماع الخارجية من حيثما كان اتجاه رياحها، لانفند عدوا نعلمه وصديقا نجهل وده أو ثعلبا في ثوب كبش أليف، بل على المجتمع العماني بكافة أطيافه وطوائفه دون استثناء من حضر أو بادية، التنبه جيداً لما يُحاك ضد وطنهم من دسائس مهما كان مصدرها، ليعلم الطامع ألا مجال لاختراق هذا المجتمع النبيل المتراص خلف قيادته وسلطانه، وإن حاول أخرى سيجد الفشل حظاً عاثرًا لكل خطط رامها وتبناها بأمنيات الوهم.

أبناء وطني وحدتكم عزتكم وأنا واحد منكم على الوعد.