تنمية بشرية ونهضة اقتصادية

حاتم الطائي :

تمضي مسيرةُ النهضةِ المُباركة بخطى وئيدة في شتى مجالات التنمية والتَّطور، متجلية في المشروعات التنموية والخدمية التي تعم أرجاء بلادنا الغالية، ويستفيد من خيراتها المواطن، الذي يمثل محور اهتمام هذه التنمية، وخلال الأسبوع الماضي، شهدنا وتابعنا حدثين بالغي الأهمية؛ الأول إعلان تقدم السلطنة إلى المرتبة الخامسة عربيًا والثمانية والأربعين عالمياً في مؤشر التنمية البشرية، أما الحدث الثاني فيتمثل في الحملة الترويجية التي تقوم بها هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم برئاسة معالي رئيس الهيئة، وتجوب دولاً آسيوية بهدف جذب مزيد من الاستثمارات إلى هذه المنطقة الواعدة والمُتفردة في موقعها الإستراتيجي والمحفزات الاستثمارية التي لا تضاهى.

ولنبدأ بتقرير التنمية البشرية والصادر عن منظمة الأمم المتحدة، ويُظهر أنَّ السلطنة تقدمت إلى المركز الخامس عربياً والثامن والأربعين عالميًا في التنمية البشرية، وهو التقرير الذي يُبرهن على مكانة الإنسان العُماني في مسيرة النهضة المباركة، التي يقودها بحكمة وحنكة منقطعة النظير بحق، حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المُعظم- حفظه الله ورعاه- تلك المسيرة التي انطلقت قبل 48 عاماً لتُعلن أنَّ الإنسان هو هدف التنمية وغايتها، وهي غاية نبيلة تؤكد نُبل المسيرة العُمانية وانحيازها المطلق للمواطن العماني، لكي يحيا في كرامة ورفاه.

المراكز التي أحرزت السلطنة تقدماً فيها تحققت- وبشهادة الأمم المتحدة- بفضل السياسات الاقتصادية والتنموية التي تنتهجها السلطنة وتستهدف في المقام الأوَّل النهوض بالثروة البشرية من خلال برامج التعليم والتطوير والتأهيل المتواصلة.. فبناء المدارس الجديدة سنويًا واستيعاب عشرات الآلاف من الطلاب الجُدد كل سنة مع توفير الأعداد اللازمة من الكوادر التدريسية والإدارية وتجهيز المُختبرات وقاعات الدراسة وغيرها من التسهيلات، كل ذلك من شأنه أن يُوفر البيئة المواتية لازدهار قطاع التعليم وترجمة ذلك في تقدم ملحوظ في التقارير الدولية المحايدة، التي لا تُجامل المسؤولين، بل يُعدها خبراء الأمم المتحدة، وهذا إن دل فإنِّه يدل على الاحترافية وعدم الانحياز بأي صورة كانت.

معدلات التطور والنمو في مجالات التعليم والصحة وجودة الحياة، كانت الأساس الموضوعي لهذا المركز المُتقدم، على المستويين العربي والدولي، وبنظرة فاحصة فإنَّ هذه الثلاثية محور ارتكاز النهضة ودفتها نحو مرافئ التقدم، فالقاصي والداني يدرك جيدًا حجم الإنجاز المتحقق في قطاع التعليم، كما أسلفنا، وكذلك الحال في قطاع الصحة بما يشهده من تقدم ومعدلات إنجاز غير مسبوقة من حيث مستوى الخدمة الطبية المقدمة، وما توليه الحكومة الرشيدة من اهتمام بتوفير رعاية صحية متكاملة لجميع المواطنين. كما إن العنصر الأخير من هذه الثلاثية، وهو جودة الحياة، فتحقق بفضل ما أنجزته مسيرة النهضة المباركة في قطاعات أخرى، فالمستوى العالي من الجودة في مشروعات الطرق والنقل واللوجستيات وكذلك المشاريع الخدمية التي توفر مختلف الخدمات للمواطن بكل أريحية ويُسر، جميعها أسفرت عن تحقق جودة الحياة للإنسان العماني، والتي لم تكن لتتحقق لولا الجهود الحثيثة من حكومتنا.

إننا عندما نتحدث عن نهضتنا المُباركة فإننا نشير إلى منظومة مُتكاملة من الأداء المُميز في شتى القطاعات، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببعضها البعض، وهو ما دعا الأمم المتحدة إلى تصنيف السلطنة ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، وتلك النهضة البشرية تواكب نهضة اقتصادية تحققت على مدى العقود الماضية، سجلت فيها بلادنا نموًا اقتصادياً رغم التحديات والعراقيل التي مرَّت علينا.

وجزء من هذه النهضة الاقتصادية، يتجلى في الحدث الثاني الذي أشرنا إليه في بداية هذا المقال، وهي المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وما تحققه من تقدم على مستوى تنفيذ المدينة لتكون نقطة ارتكاز إستراتيجي في جهود تنويع مصادر الدخل، واستقطاب الاستثمارات في مختلف القطاعات. فالدقم تمثل مدينة المستقبل، سواء من حيث التخطيط العمراني الذي يواكب العصر، أو الحوافز الاستثمارية المُقدمة بكل ما فيها من تسهيلات وإعفاءات على الاستثمار، أو التقدم المتحقق على مستوى إنجاز البنية الأساسية، وآخرها مطار الدقم الذي يُعد ثالث المطارات الإستراتيجية في السلطنة متكاملة المرافق.

والحملة الترويجية التي تقوم بها الهيئة لجذب استثمارات من دول آسيوية تشتهر بقدرتها على ضخ استثمارات كبيرة في مثل هذه المشروعات العملاقة، وقد بدأت هذه الحملة بزيارة اليابان ثم انتقلت إلى جمهورية كوريا ومن بعدها إلى الصين، وفي كل محطة من هذه المحطات يعمل المسؤولون في الهيئة على عقد لقاءات للترويج للمنطقة ومميزات الاستثمار فيها.. المميز في هذه اللقاءات أنَّها تنعقد على مستوى النخب، سواء في الحكومة أو القطاع الخاص في تلك الدول، ما يؤكد شمولية الرؤية الاستثمارية من جانب الدقم، وحرصها كل الحرص على فتح آفاق للتعاون البناء مع الجميع. ولذا نؤمل جميعاً أن تؤتي هذه الجهود أكلها، بمشروعات مُماثلة لمشروع المدينة الصناعية الصينية في الدقم، لما ستوفره من فرص عمل لشبابنا في قطاعات عديدة، وما ستدره من إيرادات للدولة تدعم أداء الميزانية العامة، وتعزز من التنويع الاقتصادي، والإسهام في زيادة الناتج المحلي للبلاد.

وختامًا نقول.. إنَّ حجم الإنجاز المُتحقق في مختلف قطاعات التنمية، ولاسيما التنمية البشرية والاقتصادية، انعكاس واضح للجهد الكبير المبذول على صعيد دفع مسيرة النهضة المباركة إلى الأمام، بفضل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم- أيده الله- وتفاعل الإنسان العُماني مع هذه النهضة، سواء بالعمل المتقن والإسهام في مزيد من التقدم، أو عبر الحفاظ على مكتسبات النهضة وصونها.