الديكتاتورية والديمقراطية في العراق

 

جمال الكندي

في علم الإدارة يتم تدريس أكثر من اتجاه في إدارة المؤسسات التجارية الربحية أو الخدمية، ومن بين هذه الاتجاهات ما يُسمى "بالمدير الدكتاتوري يقابله"المدير الديمقراطي"، الأول هو الذي يحمل فكراً واحداً في طريقة العمل الإداري، وكيفية التعاطي مع أفراد المؤسسة، وغالباً يكون من فكر القائد العام لهذه المؤسسة ولا يقبل النقاش فيه، لذلك سمي "المدير الديكتاتوري"، ومن خلال هذا الفكر ترسم الخطط والإستراتيجيات.

في الطرف الآخر يوجد "المدير الديمقراطي" وهو عكس الأول يقوم بأخذ المشورة من بقية أفراد العائلة الإدارية إن صح التعبير، ويقبل بتعدد الآراء.

من هنا نحن نقف وقفة مقارنة بسيطة، ونقول هذا النظام ينفع وذلك ينفع، وكلاهما له بيئته الحاضنة التي تأهله للسير بهذا الاتجاه أو ذاك، وهذه التفاصيل نجدها في علم الإدارة.

ولكن هل هذا المشهد ينسحب على السياسة؟، وهل له علاقة بأزمة العراق الحالية في تشكيل الحكومة القادمة؟

قبل الإجابة والدخول في تحليل سياسة التجاذبات العراقية لتشكيل الحكومة القادمة، والتي إن سمح لنا العراقيون فإننا نُحللها من عيون عربية خالصة تريد للعراق الكبير أن يكون كبيراً كما عهدناه، مؤثراً لا متأثرًا بما يجري في محيطه الإقليمي.

 فلقد قرأت قبل عدة أيام مقالة منشورة لكاتب عراقي، شدتني كثيراً بعنوان (صدام كان يجب أن يُعدم) هذا الكاتب كان معارضاً لنظام الرئيس العراقي الأسبق "صدام حسين" يذكر الكاتب في مقالته مقارنة بين ما يحدث اليوم للعراق وما كان من قبل النظام العراقي السابق، وكان يركز وهذا هو المهم على الجانب الذي فقده العراقيون اليوم وهو الجانب الخدمي الذي يهمهم بالدرجة الأولى، وفقده في ظل (المدير الديمقراطي) وقد أسهب الكاتب بسرد الحقائق الحياتية بين النظامين، وخلاصة مقالته كما فهمتها: بأنّ المدير الديكتاتوري عمل شيئاً ملموسًا للعراقيين في متطلباتهم الحياتية جعلهم اليوم وبعد كل هذه السنيين يترحمون على الأيام الخوالي لنظام دكتاتوري حكم العراق بالحديد والنَّار كما يُقال.

أنا هنا كما قلت أنظر بعيون عربية، ولست متخصصاً بالشأن العراقي، وأعلم أن كثيرًا من العراقيين عانى من النظام السابق، ولكن ليسأل العراقيون أنفسهم لماذا الترحم على النظام السابق في ظل "مدير ديمقراطي" تعددي يقبل بالآخر؟! هنا سأعود إلى علم الإدارة ومقدمة المقال بأنَّ البيئة هي الحاكمة للتوجهات "الإدارية والسياسية" ولا أقول هي حتمية بل أقول: إصلاح المعطى العام سواءً كان بالنظام الأول أو الثاني، وبأن يكون التوجه وطنياً خالصاً خالياً من شوائب المؤثرات الخارجية.

المشهد ينسحب هنا على التجاذبات السياسية العاصفة التي نراها اليوم في الشأن العراقي، بعد انتهاء نظام الرجل الواحد، فالبيئة العراقية كانت مؤهلة لتبني مؤسسة "المدير الديمقراطي" من وجود وعي سياسي لدى الشارع العراقي، وأكثر من ذلك الاستعداد النفسي لتقبل الآخر في المشاركة السياسية في إدارة الدولة تحت مبدأ الوطنية التي تذوب فيها كل الانتماءات الأخرى، خصوصاً وأن الأحزاب السياسية العراقية كانت في خندق واحد ضد النظام السابق، وترفع شعار الحرية السياسية ومبدأ تداول السلطة.

ولكن السؤال المهم المطروح اليوم لدى العراقيين وغيرهم لماذا على الأرض لا نرى إلا التجاذبات السياسية المغلفة بالتأثيرات الخارجية في المشهد العراقي؟ ولماذا المواطن العراقي البسيط لا يرى أي تطور خدمي في الجغرافيا العراقية؟ والذي يؤدي حتماً إلى المقارنة بين المدير الديكتاتوري والديمقراطي من حيث الجانب الخدمي وحتى الجانب السيادي في الكلمة السياسية التي تخرج ولا تبالي بهذا المحور أو ذاك، المهم أنها عراقية المنشأ والتوجه.

ما يشهده العراق اليوم من مناكفات سياسية لها أبعادها الخارجية، هو ثمرة محصول نظام المدير الديمقراطي، وهذا التأخر في الإصلاح الاقتصادي والخدمي، وما نراه من مظاهرات مطلبية في البصرة ستخلق أقلاماً تقارن بين النظامين، فالمواطن العراقي البسيط يُريد أن يرى ما بشر به أصحاب مشروع "المدير الديمقراطي" نتائج تكون ملموسة على الأرض تُحاكي المطالب المشروعة للعراقيين، وإذا لم يتحقق ذلك وانشغلت الحكومة بالصراعات الحزبية وتنازلاتها للخارج سنجد مقالات من نوعية مقالة من كان يُعارض النظام العراقي السابق واليوم يتغنى بنظام المدير الديكتاتوري ويتمنى رجوعه.

العراق بذل الدم لينال الحرية في إدارة بلاده، هذا الدم لابد أن يُحترم ويُقدر، واحترام هذا الدم بأن يكون من أجل العراق فقط "لا شرقية ولا غربية " نريدها عراقية بحتة، وأي كيان سياسي يحكم العراق اليوم، ولا يأخذ بهذا الاعتبار، ويقع تحت الضغوط الخارجية سوف يسمح للمقارنات بأن تلعب دورها وتؤجج الداخل العراقي.

العراق يريد الديمقراطية، ولكنها لابد أن تكون بغلاف الوطنية، العراق يريد الديمقراطية، ولكن لابد للقائمين عليها أن تكون توجهاتهم عابرةً للطائفية والحزبية، ومن دون تحيُّز مناطقي. العراق يريد الديمقراطية، ولكن لابد من أن تكون بعيدة عن المؤثرات الخارجية أينما كانت وتنظر فقط للمصلحة العراقية وعنوانها العراقيون أولاً وثانياً وأخيراً. العراق يريد الديمقراطية، ولكن لابد أن تكون متسامحة لا تحمل النَّفس الطائفي البغيض.

إذا أدرك العراقيون ذلك سنرى حكومة توافقية وطنية تنهي أزمة من هي الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، وتتكاتف في بناء العراق من جديد تحت سقف الوطنية فقط لا غير.