حرب الهواتف الذكية المتصاعدة

 

عبيدلي العبيدلي

 

بعد انتظار لم يدم طويلا، طرحت شركة أبل في الأسواق "3 هواتف جديدة تتمتع بخصائص مميزة، ويعد أحدهم الأكبر من بين سلسلة هواتفها الذكية". وأكدت الشركة على "أنها أدخلت تعزيزات خاصة للتعرف على الوجه، لتعمل بشكل أسرع مما سبق. كما كشفت الشركة أيضًا عن الإصدار الجديد من سلسلة ساعاتها الذكية (ووتش 4)، وهي تتمتع بتصميم مبتكر وخصائص جديدة لمتابعة صحة مستخدميها".

ولم تكد الشركة تنهي حفل التدشين، حتى انهالت الانتقادات، التي تحدثت عن ارتفاع أسعار الهواتف الجديدة، وغياب وصلات السماعات، وعدم توفر الشاحن الجديد. لكن الانتقادات الأكثر شراسة جاءت من المنافسة الجديدة التي دخلت أسواق الهواتف الذكية، وهي شركة "هواوي" الصينية، التي سارعت، فور كشف شركة "أبل" عن هواتفها تلك، إلى نشر تغريدات ساخرة على حسابها الرسمي قالت فيها، "بعض شركات الهواتف تتمسك كل سنة بنفس الألوان"، مضيفة "نحن نتطلع إلى أكثر من ذلك". ودعت منافستها "أبل"، إلى انتظار مفاجأتها في لندن في العام القادم، حيث تنوي الشركة الصينية، كما تدعي، الكشف عن طفرة نوعية في صناعة الهواتف الذكية على مستوى التصميم الفني، والأداء الوظيفي أيضًا.

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ "هواوي"، قد نجحت خلال النصف الثاني من العام 2018 في "التفوق على شركة أبل الأمريكية في المبيعات، ولم يعد أمامها سوى منافس واحد، (هو شركة سامسونغ الكورية). ووفقًا لبيانات اقتصادية صادرة، أصبحت الشركة الصينية العملاقة للهواتف المتنقلة، تزاحم منافستها الكورية الجنوبية (سامسونغ)على الصدارة ".

لكن وفقًا لتوقعات موقع "شوزن إلبو" الكوري الجنوبي، "فإنَّ شركة سامسونغ ستكون الأولى في مبيعات الهواتف خلال الربع الثالث من العام 2018، لكن حصة الشركة من السوق العالمية ستتراجع إلى ما دون عشرين في المئة".

هذا يكشف عن حرب مستعرة تدور رحاها اليوم بين شركات صناعة الهواتف الذكية، تتصدرها الشركات الثلاث، على الترتيب: سامسونغ، هواوي، وأبل. تتنافس هذه الشركات في سوق ضخمة ومتنامية وواعدة أيضًا. فكما تشير إحصاءات نقلها موقع محطة سي. إن بي. سي. الفضائية بلغ عدد مستخدمي الهواتف الذكية في العام 2016، 4.8 مليار مستخدم، ويتوقع لهذا الرقم أن يصل إلى 5.7 مليار، بحلول العام 2020، بمعدل نمو سنوي يقارب 4.2%. وبالنسبة لإيرادات الشركات المصنعة للهواتف الذكية فقد قفزت إيراداتها خلال الفترة ذاتها من 1.05 تريليون دولار، إلى 1.14 تريليون دولار، بمعدل نمو سنوي بلغ 2.1%. وعلى مستوى إجمالي الناتج الإجمالي المحلي العالمي، يرتفع الرقم من 3.3 مليار دولار، أي بمعدل 4.4%، إلى 4.2 مليار دولار، أي بمعدل 4.9%. وقد ولدت هذه الصناعة 28.5 مليون وظيفة في الأسواق العالمية خلال العام 2016، وسيقفز هذا الرقم إلى حوالي 31 مليون وظيفة بحلول العام 2020. وعلى المستوى العربي، تتصدر السعودية قائمة البلدان الأكثر اقتناء للهواتف الذكية كافة. هذا ما "كشفت عنه دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أوتوكاد)، أن السعودية تأتي في المرتبة الأولى لقائمة الدول الأكثر استخدامًا للهواتف الذكية في العالم والتي بلغ نسبة انتشار الهواتف الذكية بها إلى 118% لتحتل بذلك صدارة البلدان والشعوب المستخدمة للهواتف الذكية في العالم، وتوقعت الدراسة أيضًا أن يصل عدد مستخدمي الهواتف الذكية إلى 5 مليارات شخص بنهاية هذا العام 2018".

وعلى مستوى العام 2018، ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة غارتنر للأبحاث، "عادت مبيعات الهواتف الذكية العالمية التي تستهدف الأفراد إلى النمو مجدداً في الربع الأول من العام 2018، ... مقارنة بالربع الأول من العام 2017، فقد تم بيع ما يقرب من  384 مليون من الهواتف الذكية خلال الربع الأول من العام 2018، وهو ما يمثل 84% من الهواتف المحمولة المباعة."

ما ينبغي التنويه له هنا، هو أن المنافسة، كما يقول عنها التنفيذي لنوكيا هو ستيفن ألوب، وهو أحد المسؤولين السابقين في شركة مايكروسوفت، "قد تبدو للوهلة الأولى محصورة بين أجهزة تصنيع الهواتف، (في حين) هي ليست إلا حرباً بالوكالة أيضاً للمنافسة بين شركات البرمجيات التي تطور الأنظمة المشغلة لتلك الأجهزة". والمقصود هنا أساسا، نظامي التشغيل "أندرويد"، و "آي أو إس".

هذا بدوره يفتح الأبواب واسعة أمام دخول لاعبين جدد من دول أخرى، ليست الولايات المتحدة والصين وكوريا، وهي المسيطرة على أسواق الهواتف الذكية بينها. ويدعو، في الوقت ذاته، دولا عربية ممن تملك خبرة غنية في قطاع تطوير البرمجيات، بما فيها برمجيات أنظمة تشغيل الهواتف الذكية إلى دخول حلبة المنافسة، ومحاولة غزو الأسواق المستقبلية الناهضة. وفي السياق ذاته، يتيح المجال أمام من يسعى لتطوير محتوى ذكي يتناسب ومواصفات هذه الهواتف التي باتت تسيطر على سوق كبيرة، كما أشرنا أعلاه، قابلة للنمو في اتجاهات مختلفة، لكنها مترابطة.

لكن مقابل كل ذلك، وكما هي الحال في الحروب التقليدية العسكرية، حيث تجري المنافسة على تصنيع أدوات حرب جديدة، أو تطوير تلك المتاحة، نشهد الأمر ذاته عند الحديث عن الحرب التنافسية التجارية التي نشهدها اليوم بين شركات تصنيع الهواتف الذكية، حيث نلمس التنافس الحاد، لرفع حصص المبيعات في الأسواق، يتمحور، حول المواصفات التي يبز بها هاتف معين هاتفه المنافس، من حيث سرعة المعالج، وسعة الشاشة، ووضوح العرض، بالإضافة إلى الأسعار، ودقة عدسة التصوير، وسرعة شحن البطارية، وعدد ساعات استخدامها، والمعدات المرافقة، من سماعات الأذن، وخلافه.

البعض يعطي هذه الحرب بعدا سياسيا، حيث ينظر إلى تلك الحرب التنافسية بين الشركة الأمريكية "أبل"، مع "غريمتها" الصينية "هواوي"، على أنها انعكاس للصراع المحتدم بين واشنطن وبكين. وعلى هذا الأساس يتوقع لها التصاعد خلال العقود القليلة القادمة، ويرى أنها ستكون أكثر شراسة من تلك التي عرفتها أسواق الهواتف الذكية بين "أبل" ومنافستها "سامسونغ" خلال السنوات السبع الممتدة بين 2011 -2016، تكبدت خلالها الشركتان مئات الملايين من الدولارات.

حرب مستعرة من نمط جديد سجلتها صناعة الهواتف الذكية، لن تكون البلدان ذات العلاقة بعيدة عنها. الملفت هنا أننا العرب، كما دأبنا على اختيار مقاعد المستهلكين لما تقذف به المصانع الحربية، نُصر على ملازمة تلك المقاعد في حرب الهواتف الذكية التي بدأت نذرها قريبة منِّا.