نصَّــــان

محمود لبد - فلسطين


(1)
[هوس الثلث الأخير]
عند الغروب، بعد ساعات النعاس الأخيرة ووقت احتساء القهوة مع نصفي اللامرئي، سأحجب الإتصال على هاتفي المحمول لأي رقم لا يحوي الرقم ثلاث، وسأُطَّوق الجدران جدارا جدار حتى أحصل على إحدى الأماني المقفلة، آه يا لوجع قلبي لقد خذلني الواقع اللعين، وأغرق أحشائي في حبر الظلام، وعصافير المنفى التقطت بذور الغربة وغابت حتى يقول لها الليل لا يعرفك أحد، لا نصفك الثاني ولا أثر أجنحتك التي أشعرت طفل ميتم بحنان أمه، سأغزل ثوبي الممزق اثر رصاصة صوبت نحو حبيبتي وأصبت بها أنا ونجت منها بسلام، بسلام قلبها الرؤوف المرصع بقلب طفلة تبلغ السابعة والنصف، تحمل طبق الطعام لوالدها في العمل، سأنتهي من ضجر القيلولة الأخيرة ومن غرور الوحدة، سأرحل نحو ضبابي الثلاثي، سأمضي أنا ونصفي اللامرئي بلا مبالاة، وعلى خارطة العالم سأرقد في آخر بقعة حجرية وأنحني إلى الله حبا، وأنا أعد للرحيل بعد الساعة الثالثة فجرا كنت سأودع بعض كؤوسي الفارغة وأقلامي المنهكة ودفاتري المتآكلة، كنت سأنتهي من مقعدي الحديدي ومن وسادتي الثقيلة، ومن نافذة المقهى الزجاجية التي كسرها الصدى، ومن باب غرفتي الحديدي ومن عناوين نصوصي الحزينة ومن كتاباتي ثلاثية الفكر وسريعة الانفعال.
(2)
[مغترب بلا رأفة]
أمشي على هدي البصيرة،
وأتغاظى الحوارات المنسية،
كلما اشتد الحصار،
أبوح في سري لأقدامي المهشمة،
وأنت تسير على حافة المنفى،
تنحني وتخضع،
وتختفي الملامح كالضباب
لا أحد يرى أثر الحرب على جبينك
لا أحد يشعر بك وبوجودك،
أنت منسي أيها الغريب في المقهى
منسي كبلادك المحتلة
غريب كاستعاراتك اللامرئية
أنت لست برجوازيا
أنت لا شيء
أنت الصدى والغبار المنفي
أنت مغترب حقير
نحن اللاشيء داخل بلدة ليست لنا
بل لا تمد لنا بأي صلة
أشعر باللعنة الحقيقية
وأنت تعد فطورك في غرفة ما
داخل الفندق الحجري
في بلدة لا تعرف أحدا فيها،
مغترب أحمق،
أنا سيد الفراغ
لا شيء يعنيك أيها المشرد
فكن وحيد بلا أصدقاء
لأن الصداقة هنا بحر
إن كنت بحار ستعيش
وإن لم تكن...
ستموت
وستأكل الكلاب وقرشة البحر ...
كل ساكن فيك

تعليق عبر الفيس بوك