أحمد السلماني
يعيش الشارع الرياضي بالسلطنة حالة من الأسف والدهشة والمرارة بعد النتائج المخيبة وغير المنطقية للمشاركة العمانية في الألعاب الآسيوية بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا، والتي جاءت في حقيقة الوضع ترجمة واقعية وطبيعية لعبثية دورة العمل بالمنظومة الرياضية؛ سواء في الهيئات الرسمية أو الأهلية أو الرياضيين أنفسهم وبعض وسائل الإعلام التي لا تنتهج النقد البناء وتكتفي بالمديح الكاذب!!
كان ولا يزال "الأوصياء" على الرياضة العمانية يُكابرون ويُصرون على نجاعة "الإستراتيجية" التي أُطلقت قبل عقد من الزمان، وكان المنتظر منها اعتلاء الرياضيين العمانيين منصات التتويج في كل المناسبات والبطولات الإقليمية والقارية والدولية، ولكن كل ذلك اغتالته أيادي الأوصياء والمتمصلحين والمتطفلين على الرياضة، والذين أقصى ما يفكرون فيه ويطمحون إليه هو البقاء بالمناصب والاهتمام بالفعاليات والبطولات والمؤتمرات لأغراض السفر والنزهة لا أكثر.
ولن أغُوص كثيرا في تحليل النتائج الكارثية وسيناريو أحداث المشاركة العمانية في البطولة؛ فهذه أتركها للخبراء الذين تعجُّ بهم الأروقة والمكاتب الحكومية والأولمبية والاتحادات الرياضية إن كانوا يجرؤون على مواجهة الإعلام والوسط الرياضي والشعبي لتفسير ما حدث.. لكن ببساطة شديدة أقول، الهوكي تراجع وتقلص ممارسوه إلى أقل من الربع في 20 عاما، وألعاب القوى كانت ولا تزال تراهن على لاعب واحد تجاوز الـ30عاما، والبقية قدموا من مراكز إعداد الناشئين التي تتبناها الوزارة مُضطرة كشاهد على ازدواجية المهام والمسؤوليات، والتنس يكرس كل مقدراته للاعبين اثنين أقصى إمكانياتهما المشاركة في بطولات الهواة تحت وصف خادع بأنها "دولية"، أما الرماية والإبحار الشراعي فهذه تعيش حالة من الانفصام عن الذات. فالعمانيون وعلى مدى تاريخهم العريق قناصة مهرة، وفي السنوات الأخيرة شهدت رياضة الرماية توسعا واهتماما كبيرا، ولو استعرضنا النتائج الأخيرة لصُدمنا؛ فالمراكز تراوحت ما بين الـ16 والـ34 بين المشاركين في مختلف مسابقات الرماية. أما الإبحار الشراعي، فلم تشفع له الأموال الكبيرة المنفقة عليه، ولا الخبرات التي جلبت لتصقل مهارة أسياد البحار!! أما كرة الطائرة الشاطئية المجتهدة فقد سقطت، ومع ذلك نعتبرها كبوة فارس لا أكثر؛ فهذه إلى حد ما لا تزال نقطة مضيئة في ظلمة الليل، في حين أن النتائج في السباحة تدعو للتساؤل: كيف تجاوز المشاركون فيها لجنة التقييم كي تشارك؟! حقيقة لا أعرف!
سنوات مضت الكثير من وسائل الإعلام الرياضي المسؤول والمخلص وحتى المتابع العادي يكتب ويحلل ويوصي ويحذر من أن البوصلة تسير في الاتجاه الخاطئ، وأن "الهرم الرياضي" في بلادنا مقلوب، "ولكن ستسمع لو ناديت حيًّا"، فهذا يتنافى ومصلحة زمرة محدودة من "ذوي المصالح الخاصة" هم يعرفون أين مكمن الخلل، وأين الداء، ومن البداية، ولكن يبدو أن "الداء الخبيث" قد انتشر في جسم الرياضة العمانية، لتأتينا الرسائل المتداولة والتي أُجزم يقينا بأنها وفي ثوانٍ بسيطة قد دارت حول البسيطة مُعلنة أن 10 دول من أصل 46 دولة تشارك في بطولة الألعاب الآسيوية لم تحقق أية ميدالية، وهي: اليمن بتعاسة ظروفه، وفلسطين بجراحها المندملة، وشعب بنجلاديش المكافح وراء لقمة العيش، وسيرلانكا التي نزعت عنها مؤخرا ويلات حرب أهلية، وجزر المالديف المتخصصة أكثر في السياحة، وتيمور الشرقية، وبوتان، ونيبال، وبروناي دار السلام، لتسجيل الحضور ليس إلا، والسلطنة الحبيبة لـ"رفرفة العلم في الافتتاح والختام" وكفى.
واليوم.. ومع إدراكي العميق بأنَّ المسؤولين عن الرياضة العمانية، وكل من أساء في حقها، يُراهنون على عامل الوقت، وأن الغضب الذي يعتري الوسط الرياضي إنما مجرد زوبعة في فنجان وسحابة صيف عابرة وسيعودون مجددا وبأقنعة وصور جديدة لممارسة هواية "اقتناص المصالح".. لذا نجدد الصرخة والدعوة لهم أن يتحلوا بالشجاعة الأدبية ويتركوا الساحة هم والخبراء الذين جلبوهم، لأناس أخرين يتم اختيارهم وفق معايير حقيقية وأسس متبعة دوليا، كما نناشد الجهات المسؤولة ذات العلاقة لوضع حد لهذه العبثية، فإن علم السلطنة يجب أن يرفرف في فخر وعلو على ساحات التتويج وليس فقط في الحفل الافتتاحي، فهل ننتظر قرارات جريئة تحقق التطلعات الرياضية؟!