علي المعشني
لم ينفك منظر الخراب والدمار هنري كيسنجر من الحديث عن حرب عالمية ثالثة ستجتاح العالم، وأن العرب والمسلمين سيكونون الوقود الرئيس لها، ثم يختم تصريحاته بعبارة من أراد التصديق فعليه التصديق، ومن لم يرد فعليه تحمل العواقب.
الحقيقة أن مثل هكذا تصريحات من كيسنجر أو غيره من مُنظِّري الغرب، أو من مواقع أكاديمية أو بحثية معروفة أو نكرة، هي من الفولكلور الغربي الاستعماري لحشد الرأي العام وتهيئته، ولجس نبض الخصوم الأفتراضيين، وقياس مدى جهوزيتهم.
لاشكَّ عندي أنَّ الكثيرَ من العرب، ومن مختلف الشرائح والمكونات، يعتبرون أن كيسنجر لا ينطق عن الهوى، وأن أفعال أمريكا قضاء وقدر لا يُرد؛ لهذا فهم في خنوع وتسليم تام لساعة الصفر الأمريكية؛ كي يسلموا أنفسهم وأوطانهم ومقدراتهم وثوابتهم طوعًا للسيد الأمريكي الذي لا يُرد ولا يُقهر، تحت مُبرِّر "اليد اللي ما تقدر تقطعها بوسها"، و"إن كان لك حاجة عند الكلب، قل له: يا سيدي"، وتحت شعار "اللي خاف سلم"... وجملة لا تنتهي من المبررات والشعارات الخنوعية.
بينما وعلى أرض الواقع، الحرب العالمية الثالثة تشتعل وتستعر على أرض سوريا ومنذ العام 2011م، فهي حرب متكاملة الأركان والملامح، وجلية الأهداف والأطراف، وتستخدم فيها جميع الأسلحة النارية المتطورة جدًا، وأحدث منظومات التضليل والكذب والخداع، وجميع أدوات الجيل الرابع للحروب وتفاصيلها.
حربٌ تمتد من أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى تجنيد جيوش من المرتزقة من جميع بقاع الأرض، وينفق عليها مئات المليارات من الدولارات، وتسقط بفعلها دول وحكام وشخوص، وتصطف فيها كيانات كبرى حليفة ومضادة، وتتشكل من خلال فصولها دمشق كمحور وقلب للعالم وهويته الجديدة القادمة وفوق كل ذلك لا يزال الكثير يعتبر كل ما حدث مجرد مناوشات بين نظام ومعارضة ستنتهي بمفاوضات وسيحل السلام ويسود الوئام سوريا لتعود مجددًا لتقود محور الممانعة ورفض التطبيع مع كيان العدو. أما الحرب العالمية الثالثة، والتي بشر بها كيسنجر، فستأتي في زمن آخر غير معلوم.
الحقيقة أنَّ إستراتيجية الغرب في الحرب على سوريا هي إستراتيجية الدومينو، فسقوط سوريا يعني سقوط حزب الله، ثم التفرد بإيران وقطع الماء والهواء على فصائل المقاومة بفلسطين، ثمَّ تمكين عصابات تطبيعية من حكم سوريا لتقوم بمهمة حماية أمن الكيان الصهيوني محتكمة للشعارات الجوفاء المفضلة لدى بعض عرب اليوم، وهي القانون الدولي والشرعية الدولية في عصر قانون الغاب وقانون القوة. ثم تأتي مفاصل الخطة (ب) من إستراتيجية الغرب، وهي التحول نحو روسيا والصين، وزعزعة استقرارهما، والعبث بأمنهما القومي، ومصالحهما عبر تشجيع القوميات في كلا البلدين ومنحها الغطاء السياسي، وتمكينها بالقوة المسلحة ومنظومات الإعلام الغربية والعربية الحليفة للغرب لتنشغل بشؤونها الداخلية، وتنسى التنافسية مع الغرب ومصالحها الحيوية حول العالم، ويتفرد الغرب بالعالم كقطب أوحد وكما يحلمون.
فالغرب الاستعماري يحملُ بداخله الشعور الفطري للأفعى، وهو أنَّها مستهدفة بالقتل من قبل أي إنسان، وفي أي حين؛ لذا لابد من المبادرة بلدغ أي إنسان يُواجهني مهما كانت نواياه، إضافة لنرجسية الغرب وشعوره بأن العالم كله مُستباح له لتحقيق فهمه لأمنه ومصالحه، ولإنعاش أقتصاداته، وللحفاظ على حياة الترف والبذح لشعوبه؛ لهذا فجميع حروبه وجرائمه يجب أن تكون مفهومة ومبررة من قبل العالم.
الخلاصة.. أنَّ الحرب العالمية الثالثة، والتي بشَّر بها كيسنجر، انطلقت منذ سبع سنوات عجاف، وتضع أوزارها بالتدريج بهزيمة نكراء للغرب وأدواتهم، وبانتصار مدوٍّ للمقاومة وحلفائها، رغم أنَّ الغرب التفَّ عليها وأسماها ربيع، وتارة ثورة، وتارة أخرى معارضة مسلحة، وكعادته في تسمية الخمر اعتقادًا منه بأنه يُمكنه تحقيق ذات الأهداف وبذات الأدوات على الدوام، رغم أنَّ العقلاء يُدركون تمامًا أنَّ الغرب الاستعماري لا يأتي بربيع، ولا يدعم الثورات أصلًا، بل هو من ابتكر علم إفشال الثورات، وأن الغرب معنيٌّ بصناعة العملاء، وتصميم الحدائق الخلفية كي يسرح ويمرح على هواه، والغرب والعقلاء في العالم يُدركون أنه لا وجود لشيء اسمه معارضة مسلحة في أدبيات السياسة وقواعد الصراع، بل هناك متمردون وخارجون على القانون؛ فالمعارضة طيف سياسي وحكومة ظل وطنية على مقاعد البرلمان على الدوام.
وبالشكر تدوم النعم.....،
-----------------------------
قبل اللقاء: لم يمن الغرب بهزيمة نكراء في تاريخه الحديث كهزيمته في سوريا، ولم يُصب الغرب بأعراض عجز القوة كما أصيب بها في سوريا، ولم يدُب الرعب في مفاصل الكيان الصهيوني كما دبَّت به جراء انتصار سوريا؛ فخروج سوريا معافاة، وزادها من تجارب النصر في حرب كونية غير مسبوقة في التاريخ لا يضاهيه نصر في التاريخ.
Ali95312606@gmail.com