حكاية من جلنار



ديما ناصر – دمشق

عندما تفتّح الكلام
كان ،
انظروا
هناك في الأعمق
لي
 إرث قنديلٍ
دوّر الليلة الأخيرة بعد الألف
لكنّي ،
نسلتُ خيط دخان أبيض
من شهقة تبغه
حتّى إذا ما لمحه يطلع منّي
تنفس الصّباح حكايةً من جلنار
أشعلت نيرانها
ليلة
إثر
ليلة
بكلّ
 من عبروا بنا
مثل غمام يذوب في الغمام
أخفوا فيهم
جراحنا
لكنهم ،
لمّا رحلوا تركونا
بجسدٍ ناقص

إليهم  
 " فلتنظروا هناك في الأعمق "

الغواية
 "شيءٌ من "  
تخشى التّصريح
عريها في اكتمال حضورها بين الثنايا
يُغضبها ذاك الوهم المحمول باسم الحجب،  تقف قبالته فتعرّيه
حضورٌ يكمله آخر .
الغواية
كلّ ما بقي من ارتعاشة شفتيك ، لمّا همست قبل قبلة :  كم تحبّها !
هي
عيناك
يا كلّ ما لم يقله الله
في ذاك الصّباح لمّا نظرت إليها !
إنها البوح
قطفة الروح ، التي  لا تنجو  إلّا في أخرى تشبهها
هناك تستريح كما لو أنها ما غادرت .
 تحلّق في سماء قلبها .
ليكون الحب ، كلّ ما لم تقله لها بعد .
ليكون ارتباك الصّمت يجعل من كلّ مفردة دهشتكما معاً
تقلّمان ما اعتاد الآخرون على رؤيته .
تذهبان بعيداً في تيه لغة تتخلّق في مسافة اللهفة لتبتكركما مجدداً .
ليكون  ربما حمرة أوّل الفجر يغسل أهداب عينيها ،  و أنت ما تزال تحاول مزج لونٍ يكاد يقربه لتكتمل اللوحة .
أو رنّة ضحكتها تصحّح نشازاً في أغنية تدندنها .
عطرٌ  يعرف دوماً كيف يعيدكما إلى أمس ما ، آلتكما للزمن ، خلطة للحنين ، ترتديان معها رائحة الذكرى كاملة في-  الآن -   هشاشة الوقت لمّا تمرر يدك فوق  خطوط ابتسامتها و هي تقرأ :
 " الحب سماء احتمالات و أكثر "

لا لغة
لا حتّى هلوسة شاعر
يتقن تقليم قصيدته
يدع ارتعاشة الحمى فيه
تنزلق للكلمات
كافية  
لتطوّق رائحة العطر
و هو يذوب
في قوس كتفها القمري
فيا شعر !
تُراها
لو علمت لمّا وضعت
في شبّاكه كفّيها
شمعاً
له من رائحة الفجر
مزاج البخّور
أنّ العتم كالحبر الاسود
يتغلغل  
هل كانت أصابعها ذابت
و هي تكتب :

" أيّتها العتمة
أعطيني نقاء هذا الأسود
بات يربكني
كيف يرتد الظل
بين وجهي و المرايا
كيف يموج رماد الوقت
بين الشهوة و عصاها
يا أيتها العتمة
لو أمتلئ بك
لو أسكنك حتّى
اكتمال رمّان الخلق
جسدي أنهكه طول التأويل
هشّ
مثل مجمرة لم يبق فيها
إلّا رماد الصلوات
يا أيتها العتمة
كوني في حالك أسودك سراجاً
من ذا يشكو لوناً صادقاً
في زمن كلّ ما فيه
يحفّه الغبار ؟ "

يدها
تذوب
تصير - القصيدة -
كي تبقى
كانحناءة قوس
بعد الغياب  
نسل الشاعر
خيوط الفجر  
حتّى ذابت في محبرته
و كغمام من افق ما
 هطلت
انحنت بين يديه الكلمات
" يا للألوان السّبعة "
ترددها الشّفاه  

تُراه
لو عرف العاشق
أنّ فتيل الصّمت
يشعله رماد الكلمات
تحمله رياح الصّدفة
و أنّ اللهب الصّاعد منه
يطوي الوقت
لا يُبقي من خطو الأمس
سوى همهمة تخبو أخيراً
لكن تحفر في جلده
ندبة
كلّما مرّ عليها المساء
تشتعل
ترى لو عرف
أنّ الصمت يذوب
كشمع صلاة
في دير
او صومعة
هل كان هيّأ للريح
إطباق الباب ؟

يا شعر
بعد سنين مرّ
فوق  عتبتها
ما صعد منها صمتٌ بارد
 بل هطل   
كأن صوتها برقٌ
و  في عينيه اسمها
غيم الشتاء

جاء الخريف
يده تقتسم مع غصنٍ عارٍ
تلويح الرّيح
ليس لديه رغبة أن يرى ما سقط
اكتفى بالصوت
كما لو انه رنين
جرس جنّاز
كما لو أنه صدى هاوية
من جوف الظلمة
يطلع :
" أيها الليل الممتد حتى
أهداب الغد
لو تنفض عن كتفيك ما كان  
لو تدع ثقوب النجوم
ترفو أحلام من مرّوا بسكون
كي لا تصحو
أنياب الوحدة
تنغرز في الجذع
في الخاصرة
في كفّين
تمرران الريح
و الوقت
ايّها الليل احفر
تجد أبعد من  الهاوية
ياقوتاً من ترتيل
لو أزحت  عنه التراب
يشرق ضياء "

في آخر الأشياء
بعد أن تكدّس الخريف
و صار اليباس مرايا الكلمات
همست له
كنت  امرأة
تحمل وسع الأرض
بمحبرة
حتّى إذا ما جاء ضياء
ترتعش المرايا  
أما الآن
أنا جسد الخذلان
رغم ذلك ،
صدّقني
حين أقول
بعد أن عانق  الأمس
و رحل
- وُجد الندى -
كان ضمّة السّماء
لما تركه
وعدها
أن تجعل الجرح
رنّات أجراس ورد
" هو ذا
يا  صوتها
يا هدهدة خطوه   في الذاكرة "
قولوا له :  
بعد أن مضى
امتدّ الصّمت عناقيد غيم ٍ
فهو من عهد بعيد
أقسم
لن  يقطر سوى النسيان
يا صوتها
قل له :
فليصدّقني دائماً
وينظر
مذ لوّحت يداه للفراق
كم لحظة مرّت به
 تسأله
ما دفء العناق ؟

يا شعر
النهايات مرايا أرواحنا
لا تستطيع حمل ميزان
يقيس الخسارات
يكفيها ثقل وجودها
 يا شعر
غنيٌّ من لملم آخر الحكاية
 تلك الابتسامات التي جناها
 يخبّئها  ، كما لو أنّها أحجاره الكريمة
 كنزه الذي سيشرق
 في حبّة القلب
يا شعر
أطبق عينيك
ففي آخر الأشياء
الحب ربّما
 ابتسامة تُغرق القلب ، تحمل على امتداد الوجه و العينين و رفّة الأهداب امتنان أنها وُجدت حقّاً.
الحب ربّما
حكاية من جلنار

 

تعليق عبر الفيس بوك