عبيدلي العبيدلي
في 12 أغسطس 2018، وتحت شعار "الدور الإيجابي للشباب في مواجهة تحديات المستقبل"، احتضنت مدينة سينزين في جنوب الصين النسخة الثانية من "المؤتمر الشبابي العالمي للابتكار The 2nd International Youth Innovation Conference"، الذي شارك فيه ما يربو على 900 من ممثلي الشباب البارزين، والنخب التي تبحث في قضايا الشباب. جاء هؤلاء من حوالي 100 دولة ومنطقة، للمشاركة في أعمال هذه الفعالية التي توزعت أعمالها على 16 موضوعًا، تناولت أربعة قطاعات رئيسية: الاقتصاد والتكنولوجيا والمجتمع وحماية البيئة. ومن الأمور الملفتة في المؤتمر مشاركة حوالي 200 شاب يحضرون لنيل شهادة الدكتوراة في جامعات دولية مميزة.
وإذا استثنينا المنظمات الصينية التي تقف وراء هذه الفعالية الشبابية المميزة، مثل مشروع طريق الحرير، ومنظمة الأمم المتحدة للتعاون بين دول الجنوب، كان لمكتب "ترويج الاستثمار التابع للأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)"، الذي يتخذ من البحرين مركزا له، حضورا مميزا في هذا المؤتمر، خاصة في الحديث عن "التصدير الإيجابي" للنموذج البحريني للابتكار وريادة الأعمال إلى العالم، وجعله النموذج الأكثر أهمية للاستثمار في الابتكار وريادة الأعمال على المستوى العالمي، في إطار رؤية متكاملة تقوم على المشاركة الفعالة للقطاع الخاص في تنمية احتضان المشروعات الابتكارية الصغيرة والمتوسطة التي يديرها الشباب، من أجل تعزيز دورها في المساهمة في الاقتصاد الوطني، وتنويعه.
ويأتي ذلك متوافقا، كما أكد الرئيس التنفيذي لمكتب ترويج الاستثمار والابتكار وريادة الأعمال هاشم حسين في الخطاب الذي ألقاه أمام الحضور الضخم في افتتاحية هذه الفعالية، "ان اليونيدو سوف تقدم من خلال مركزها في شينزن كل ما يحتاج إليه رواد الأعمال الشباب من دعم، (مشيرا) إلى أن هذه المدينة تعتبر من أكثر المدن أهمية التي أطلق فيها النموذج البحريني لرواد الأعمال على اعتبار أنها تمثل واجهة اقتصادية قوية لدولة مثل الصين لها مكانة كبيرة في الاقتصاد العالمي، فضلا عن أنها تعتبر المدينة الأكثر نموًا حول العالم".
وقبل الخوض في تفاصيل وقائع المؤتمر، واستعراض ما جاء في الأوراق التي ناقشتها جلساته، ينبغي التوقف، وخاصة من وجهة النظر البحرينية عند ثلاث قضايا مركزية تثيرها المشاركة في مثل هذه الفعالية:
القضية الأولى هي، ما أصبح يعرف باسم "النموذج البحريني للابتكار وريادة الأعمال"، الذي طوره، ورسم معاله الرئيسة، مكتب "ترويج الاستثمار التابع للأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)"، والذي باتت تحتذي به العديد من الدول، من بينها دول عربية، من أجل النهوض بمؤسساتها الصغيرة والمتوسطة، لتعزيز إسهاماتها في تنويع الاقتصاد الوطني لتلك الدول، والذي بدأ، كما يقول عن نفسه من أجل خلق "دافع قوي للتقدم يلائم احتياجات البحرينيين من الموارد العالمية عبر منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ومواءمتها بما يتناسب مع مطالب البحرين"، والذي أخذ مساحة لا يستهان بها من نقاشات المؤتمر. ولربما آن الأوان كي يأخذ هذا النموذج حضورا أكبر في مشروعات التنمية في البحرين. وتجدر الإشارة إلى نجاح البرنامج، خلال السنوات الأخيرة في تخريج العديد من الدفعات الدولية التي حضرت إلى البحرين لتلقي دورات تدريبية حول هذا الموضوع، من بينها 80 طالبا صينيا شاركوا في دورات مكثفة لمواد برنامج هذا النموذج خلال العام 2017.
القضية الثانية، هي جيش المتطوعين من الشباب الصيني الذي تولى بنجاح ملموس إدارة المؤتمر، بما في ذلك مرافقة رؤساء الوفود الأجنبية المشاركة. تم ذلك، بطبيعة الحال، تحت إشراف مجموعة من المهنيين الصينيين. وظاهرة التطوع، وخاصة في صفوف الشباب، من المسائل اللافتة في الصين، وخاصة مدينة شينزين. فهناك، كما يقول رجل الأعمال الكويتي، المقيم في الصين محمد بو ناشي، في كتاب يعكف على تأليفه، "أن هناك ما يربو على 63 مليون صيني، ممن يمارسون العمل التطوعي، من بينهم ما يزيد على 1.5 مليون يقطنون مدينة شينزين، التي يبلغ عدد سكانها حوالى 15 مليون نسمة". هذا يعني أن 10% من السكان يقومون بأعمال تطوعية مختلفة. وهو الأمر الذي نالت سيزين بموجبه لقب "مدينة العمل لتطوعي في الصين". الجدير بالذكر هنا أن هذا العمل التطوعي الذي يمارسه بشكل منظم وفق خطط مدروسة ليست عشوائية جيش من عشرات الملايين من الشباب يساهم بنسبة عالية في الاقتصاد الصيني، ليس من حيث الإنتاج فحسب، وإنما في إطار التنويع، والابتكار أيضا.
القضية الثالثة هي مشاركة الشباب الصيني في تنمية الاقتصاد الوطني. وحرصت الصين على أن تبني جيشا من الشباب المتعلم القادر على الإبداع والمساهمة في تطوير الاقتصاد، وهو أمر طبيعي ومنطقي لدولة طموحة تسعى لاحتلال المركز الأول اقتصاديا بحلول العام 2030. وكما تشير بعض التقارير الدولية، التحق، " في أواخر التسعينيات، أقل من 10% من الشباب الصيني البالغ عمرهم ما بين 18 و22 سنة بالتعليم العالي، وفقاً لبيانات حكومية. اليوم، وبعد عقدين من الزمن، زادت النسبة إلى 27%، أي ما يعادل 30 مليون طالب، فيما تأمل الحكومة أن تصل نسبة طلاب التعليم العالي إلى 40% بحلول العام 2020. ومع زيادة نسبة المتعلمين، نما دخل الفرد بمعدل متوسط قدره 8.3% سنوياً". ووفقا لتقارير الحكومة الصينية، وكما جاء في إحصائيات العام 2015، "بلغت نسبة التعليم بين الذكور 98.2%، بينما بلغت نسبة التعليم بين الإناث 94.5%. وبلغت نسبة التعليم بين الشباب في الفئة العُمريّة من 15 إلى 24 سنة 99.7% بين الذكور، و99.6% بين الإناث، وذلك وفق إحصاءات عام 2012". وليس هناك من يختلف على الدور المميز للشباب بوصف كونهم العامل الأكثر حضورا في "إحداث التّغيير وبناء المجتمع". وساهم ذلك التقدم، بشكل ملموس في خفض نسبة البطالة في صفوف الشبب الصيني، التي أصبحت أدنى من أدنى من كثير من الدول المتقدمة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.