صلالة جوهرة.. فلنحافظ عليها

طالب المقبالي

 

لقد كتبت كثيراً عن صلالة كونها وجهة سياحية نادرة الوجود في شبه الجزيرة العربية لما حباها الله به من طقس مميز في صيف حارق قد يصل الخمسين أحياناً، بينما هنا في صلالة يتراوح بين عشرين درجة إلى سبعة وعشرين.

لن أمل ولن أكل في الكتابة عن صلالة، فكل يوم أقضيه فيها يحتاج لوحده إلى كتابة مقال. تلك الأرض التي حباها الله بمناخ مميز ومتفرد على مستوى الخليج العربي، الذي يشهد درجات حرارة عالية تتجاوز الخمسين درجة مئوية أحيانا، مقارنة بدرجات حرارة لا تتجاوز 25 درجة نهارًا وتنخفض إلى أقل من 20 درجة ليلا".

لقد كانت أول زيارة لي إلى هذه الأرض الجميلة في ثمانينيات القرن الماضي، وقد شهدت بأم عيني كيف كانت صلالة في ذلك الوقت، وكيف هي اليوم.

لقد شهدت صلالة تحولاً لا يمكن أن يتصوره إلا من عايش الفرق على أرض الطبيعة من تطور عمراني، وتطور في شبكات الطرق وشبكات الاتصال.

في هذا المقال لن أتطرق إلى العمران وإلى الطرق وإلى المشاريع العملاقة التي شهدتها المحافظة، فهذا أصبح واقعاً، وأقولها بصريح العبارة أنّ الفارق بين الأمس واليوم يعجز اللسان عن وصفه، وتعجز الكلمات أن تحصيه.

ولكن هناك أمور وقضايا تستوقفني أينما ذهبت وتجولت في هذه البلاد العزيزة علينا جميعاً.

ففي عنوان المقال وصفت صلالة بالجوهرة، وهي كذلك ولم أبالغ، والكل يعرف ويدرك أنّ الجوهرة غالية وثمينة، والكل يعلم أن الجوهرة يجب أن تصان ويحافظ عليها. قبل أيام وتحديداً يوم الخميس الماضي كان برنامجي لزيارة وادي دربات، هذا الوادي الجميل الفريد الذي يمتاز بالمناظر الساحرة والشلالات المنحدرة من أعالي الجبال، فمن لم يزر دربات، فقدْ فَقَدَ الكثير من المتعة.

ففي الطريق كان هنالك زحام، والإنسان العاقل يجب أن يتحلى بالصبر ليصل إلى مبتغاه، ولكن هناك تصرفات مشينة من بعض قائدي المركبات من عُمان ومن دول مجلس التعاون الخليجي بتخطي طابور السيارات والسير في الاتجاه المعاكس، هذا التصرف زاد من الوضع تفاقماً مما تسبب في عرقلة الحركة، وفي كثير من الأحيان إلى توقفها تماماً.

الكل يريد أن يصل بسرعة، وليس هناك شخص أفضل من آخر، ومن هنا أوجه كل التحية لأفراد شرطة عُمان السلطانية الذين يتواجدون في كل موقع من أجل تنظيم الحركة وانسيابيتها.

فعندما نصل إلى الوادي نجد هناك متسعاً ورحابة في المكان، ولكن البعض يتسببون في قطع الطرقات وعرقلة حركة السير.

هذا هو المشهد الأول، أمّا المشهد الثاني فهناك الجمال الأخاذ الذي يسلب الألباب، ولكن تنغصه بعض التصرّفات المشينة التي تعبث بجمالية المكان بتصرفات رعناء لا أخلاقية.

لقد شد انتباهي ترك المخلفات ورميها في كل مكان مما شوه ذلك المكان الجميل رغم توفير حاويات للقمامة منتشرة في كل مكان، هذا التصرف دفعني إلى نشر تغريدة في تويتر نصّها كالتالي "‏‎#صلالة ‎#جنة، وهناك كائنات لا تستحق أن تشم نسيمها.

هذا المنظر يعكس حياة هذه الكائنات في بيئتها" وقد نشرت صورة للقمامة المرمية على الأرض، هذه التصرفات لا تصدر إلا من أشخاص فقدوا الأخلاق والثقافة، وقد وصف البعض هذا التصرف بالاستهتار، ووصفه البعض الآخر بضعف الإيمان في الدين لأنّ ديننا الإسلامي الحنيف حثنا على النظافة.

هذه التصرفات ستورث للأجيال القادمة، وهنا يجب أن نتوخى الحذر من تصرفاتنا أمام أولادنا، فهم يكتسبون منا كل شي خيره وشره.

بالأمس أيضاً كنا في سهل أتين، وكان عمال النظافة يجمعون القمامة من حولنا، فقال أحد أولادي، لو لا أصحاب القمصان الخضراء هؤلاء لأصبح هذا المكان مدفوناً بالقمامة، فقلت له نعم البلدية وشركة بيئة تبذلان جهوداً مضاعفة، وهذا يكلف مبالغ طائلة لدفع أجور إضافية للعمال الذين يعملون بأجر إضافي.

فلو قام مرتادو هذا المكان بجمع مخلفاتهم في أكياس ووضعوها في الأماكن المخصصة لما كان لزاماً أن نرى هؤلاء العمال بيننا في هذا المكان.

ومن الملاحظات التي لفتت انتباهي كثيراً ظاهرة التسول التي بدأت تنتشر، ويدعي البعض أنّهم من أبناء اليمن الشقيق الذين شردتهم الحرب، وأنهم محتاجون للمساعدة.

هذه الظاهرة بدأت في التنامي في هذه السنوات وأخشى أن تصبح ظاهرة، وأتمنى من الجهات المعنية معالجة هذه الظاهرة قبل تناميها وانتشارها.

أيضا هناك ملاحظة أخيرة وهي استغلال بعض الباعة في المبالغة في الأسعار في المواقع السياحية، مستغلين حاجة الناس إلى مياه الشرب والعصائر وبعض المأكولات.

ومن الظواهر التي بدأت تطفو على السطح أيضا تلك التصرفات الرعناء من بعض شباب دول الخليج والسلطنة بالتفحيط في المسطحات الخضراء.

هذه الظاهرة قد تعرض الآخرين للخطر وتعرض الطبيعة للتخريب والتشويه؛ لذلك يجب التصدي لها وإنزال أقصى عقوبة على هؤلاء الشباب الطائشين.

وأخيرا وبينما كنت أكتب هذا المقال وقع حادث أليم في وادي دربات لشابين في مقتبل العمر، إذ لقيا حتفهما غرقا بعدما هبا لإنقاذ فتاتين من المملكة العربية السعودية حسب الروايات المنتشرة، أسأل الله تعالى أن يتقبلهما وأن يجعلهما من الشهداء؛ هذا الحادث وقع عقب مغادرتي دربات بدقائق.

وهنا أحب أن أنوّه بأنّه يتوجب الحذر من الانزلاقات في مثل هذه الأماكن الرطبة، كما اقترح على بلدية ظفار عمل سياجات لمنع الزوار من النزول عند البرك المائية والشلالات مباشرة، بحيث يحول ذلك دون حدوث مثل هذه الحوادث المؤسفة، وهذا ليس لمنع القدر وإنّما من باب الاحتراز والأخذ بالأسباب.

muqbali@gmail.com