حميد بن مسلم السعيدي
تعمد الكثير من المؤسسات والشركات المنتجة إلى حجب الكثير من المعلومات عن المستهلك بغية توجيه نحو اتخاذ قرار شرائي إيجابي يتوافق مع مصالحهم وأرباحهم المادية، وهذه المعلومات لو عرفها المستهلك قبل شراء السلعة لاتخذ قرارا سلبيا بعدم الشراء، ويعد هذا التصرف الذي تقوم به المؤسسات هو الخداع التسويقي، وتصنفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنّه غير أخلاقي وغير شرعي يؤثر على الثقة المتبادلة بين المستهلك المنتج، وهذا التضليل له علاقة بمدى ارتباط السلعة بالمعايير والمواصفات التي يرغب بها المستهلك.
فالعلاقة بين المستهلك والمنتج علاقة تبادلية تقوم على توفير السلع من أجل تلبية حاجات المستهلكين مقابل الحصول على أموالهم، وهذه العلاقة الاقتصادية لم تظل ثابتة وإنما تغيرت بالعديد من العوامل التي أثرت فيها، مما جعلها عرضة للتنافس التجاري بين المزودين بهذه السلع، الأمر الذي دفع الكثيرين للتنافس التجاري بغيّة غزو الأسواق وتحقيق الأرباح الاقتصادية تحقيق رضا المستهلك ودفعه للانتماء للسلع والمنتج.
هذا التنافس التجاري كان له دور في ظهور الغش التجاري والخداع التسويقي، وتشير الكثير من الدراسات إلى أن الخداع التسويقي يعتبر من أخطر الأساليب التجارية التي تؤثر على الأسواق وعلى المستهلك، كما أنّها تؤثر على النمو الاقتصادي وتفقد ثقة المستهلك بالمنتجين، الأمر الذي يضر كثيرا أيضا بالمستهلك ومدى قدرة هذه المنتجات على تلبيه احتياجاته الأساسية.
فالتطوّر الذي شهده العالم في مختلف المجالات وخاصة الإعلام التقني، وشبكات الانترنت، والأجهزة الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي في إحداث تغيير في نمط تقديم الخدمات والسلع للمستهلكين، مما أثر في زيادة اهتمام المؤسسات للتعرّف على المستهلك واحتياجاته وكيفية الوصول إليه، متخذين من غياب الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك في عملية الخداع التسويقي، مما أسهم في ظهور العديد من أساليب الخداع التسويقي، وهذه الأساليب تعدد وتتطور بصورة مستمرة مع استمرار التنافس بين الشركات ورغبتها في غزو الأسواق وتحقيق الانتماء للسلع التي تنتجها من قبل المستهلكين.
وتمارس العديد من المؤسسات والشركات في السلطنة العديد من هذه الأساليب مستغلة غياب التشريعات المرتبطة بالخداع التسويقي، وضعف الوعي الاستهلاكي لدى المستهلكين، وتغير الثقافة الاستهلاكية نتيجة للتطور في مختلف مجالات الحياة، الأمر الذي يشكل خطورة على المستهلك في حصوله على سلع وخدمات لا تتوافق مع المعلن عنها، مما يجعله عرضة للاستغلال من هذه المؤسسات المنتجة.
ولا تخلو الأسواق المحلية من العديد من أشكال الخداع التسويقي التي تمارسها المؤسسات المنتجة في السوق العماني في ظل غياب الوعي لدى المستهلك وأيضا صعوبة اكتشاف الخداع التسويقي من قبل الجهات الرقابية والتي بحاجة إلى التطوير في التشريعات والأنظمة الرقابية وصياغة القوانين التي تضبط مثل هذه التصرفات الغير أخلاقية وفقا لما نصّت عليها النصوص الدولية المعنية بالاقتصاد، وتتنوع أشكال الخداع التسويقي بين الخداع بواسطة الأسعار، أو الإعلان، أو بالخدمة، أو بالمحيط المادي، أو بالتوزيع، والمستهلك بحاجة إلى معرفة هذه الأساليب وأيضا اكتساب الخبرة والمهارة في اكتشافها والعمل على مواجهتها من خلال التواصل مع الجهات الرقابية، حماية لحقوقه وأيضًا حماية لبقية المستهلكين من تعرضهم للخداع من خلال الباعة والمنتجين، والملاحظ للأسواق المحلية يكتشف بسهولة وجود هذه الأساليب وبصورة واسعة الانتشار، وتمارس مؤسسات لها سمعتها بالبلد، ولكن أحيانًا الأطماع المالية والرغبة في التنافس التجاري تعمي هذه المؤسسات عن القيم والمبادئ التي تقوم عليها التجارة التبادلية بين المستهلك والمنتج أو المزود، ومن الأمثلة على هذه الأساليب قيام إحدى شركات النقل الوطني بإعلان ترويجي للرحلات باتجاه مدينة صلاله تبدأ بسعر 25 ريالا بالخط العريض وفي أسفل الإعلان وبالزاوية وبالخط الصغير ملاحظة بشأن الضرائب ورسوم المطار، وخلى الإعلان من بقية التفاصيل التي يحتاجها المسافر، فهل تمّ السفر بصلالة بهذا السعر أم أنّ هناك رسوم إضافية دفعها المسافر أثناء قطع التذكرة أو في المطار؟ ولكن لو تضمن هذه الإعلان كل التفاصيل والسعر النهائي للتذكرة هل سيتخذ المسافر قرار حجز التذكرة عبر هذه الشركة، إن مثل هذا الإعلان الذي يضلل الكثير من المعلومات وقد لا يحصل عليها المسافر ويتفاجأ في المطار بأن هناك رسوما أخرى عليه دفعها، ولم يتم إعلامهم مسبقا بها، وهنا يمكن حدوث الخداع التسويقي بإخفاء معلومات عن المستهلك.
هذا واحدة من الأساليب الكثيرة التي تتواجد بالسوق المحلية ولا يستطيع المستهلك اكتشافها أو الإبلاغ عنها، لأنّ المعلومات التي تمّ إخفاؤها ستبرر الشركة بأنّها متاحة لو سأل عنها المستهلك أو تبرر بأنّ البائع لم يتمكّن من إعلام المستهلك، كما تعمد بعض الشركات إلى تطبيق سياسة الاحتكار من خلال عمل تخفيضات كبيرة في السلع التي تحتاج خدمات لاحقة، مع تقديم هدايا للمستهلك، ولكنّه لن يكتشف أنّ السلع أو الخدمات المستهلكة والتي سوف يحتاجها لاحقاً غالية السعر وأغلى من بقية المنتجة الآخر من ذات الصنف، ولا يتواجد إلا في الشركة المنتجة فقط، وهذا متواجد بالسوق المحلية وتمارسه العديد من الشركات.
الخداع التسويقي لا يمكن مواجهته من خلال المؤسسات الرقابية وحدها، وإنما بحاجة إلى إعادة بناء الثقافة الاستهلاكية لدى المواطنين من أجل بناء وعي استهلاكي يحميهم من التعرّض إلى الغش التجاري والخداع التسويقي، والأهم من ذلك العودة إلى المؤسسة التربوية وإعادة تنشئة الطلبة من خلال تطوير مادة المهارات الحياتية التي تساعدهم على تنمية الثقافة الاستهلاكية وتجنبهم العديد من المغالطات التي تحدث في الأسواق، من أجل حماية الاقتصاد الوطني من وجود هذه الأساليب غير الأخلاقية.