هموم وتساؤلات تثيرها البطولات الرياضية

 

عبيدلي العبيدلي

شدت مباريات كأس العالم 2018 أنظار واهتمام المشاهدين في أقطار العالم كافة، حيث تابعها المئات من الملايين، إما مُباشرة من فوق مقاعد الملاعب التي أقيمت عليها تلك المباريات، أو عبر شاشات نقلت وقائعها، كان بينها الضخمة العامة التي نصبت في الساحات أو في قاعات الفنادق، أو في المنازل.

أثارت وقائع ونتائج تلك المسابقات الرياضية الكثير من التساؤلات، المشوبة بالعديد من الهموم. كان من بين الأهم منها:

· العلل التي أدت إلى خروج المنتخبات العربية الأربعة، في مراحل مبكرة من المسابقات. ولم يكن ذلك الخروج محض الصدفة وحدها، بل كان نتيجة طبيعية ومنطقية لتدني مستوى مهارات وأداء تلك الفرق واللاعبين الذين كونوا تلك الفرق. حتى الأسماء اللامعة، وأبرزها لاعب فريق ليفربول البريطاني، المصري الأصل محمد صلاح، لم يتمكن من إثبات نفسه، وإظهار مهاراته التي خطف بها الأنظار في مباريات الدوري الإنجليزي، والتي سمحت بالمقارنة بينه وبين أبطال من مستوى عالمي من أمثال لاعبي فريقي ريال مدريد، وبرشلونة، كريستيانو رونالدو، وليونيل ميسي على التوالي.

·  الأسباب التي قادت إلى خطأ توقعات مصادر كروية رشحت منتخبات فرق دول كبيرة مثل ألمانيا وإنجلترا، بل وحتى البرازيل والأرجنتين للفوز في البطولة، التي وصلت إليها فرق دول، باستثناء فرنسا الذي نالت الكأس، صغيرة من أمثال بلجيكا التي تأهلت للنصف النهائي، وكرواتيا التي تبوأت المركز الثاني، إثر مباراة لفت أداء الفريق البلجيكي الأنظار، رغم خسارته أمام المنتخب الفرنسي، سواء من حيث نسبة حيازة الكرة، أو عدد التصويبات على المرمى... إلخ.

·   المبررات التي مكنت رئيسة كرواتيا من الاستحواذ على أنظار وإعجاب المشاهدين ووسائل الإعلام في أنحاء العالم كافة، ليس بسبب مركزها السياسي، ولا طلعتها البهية فحسب، بل لبساطتها، ومُتابعتها لفريقها وتشجيعها له حتى بعد خسارته أمام فرنسا، حتى برزت، كما وصفتها العديد من وسائل الإعلام، "كأحد أشهر نجوم كأس العالم في روسيا، بدورها الكبير في مؤازرة منتخب بلادها الذي استطاع لأوَّل مرة في تاريخه أن يحقق إنجازاً كبيراً بوصوله إلى النهائي وتحقيق المركز الثاني أمام المنتخب الفرنسي".

وتتمحور تلك الهموم والتساؤلات العربية التي تطفو على السطح عند كل مناسبة رياضية عالمية حول قضية عربية واحدة هي لماذا تختفي الأسماء العربية وتحل مكانها أخرى تمثل بلداناً، ليس بين يديها الوفرة السكانية، ولا الموارد الطبيعية، ولا الثروات الاقتصادية المُتوفرة لدى العرب، سواء أجرينا هذه المقارنة على المستوى العربي القومي الشامل، أو الوطني القُطري المنفرد. بل إن هناك ما هو أسوأ من ذلك، وهو هجرة المهارات الرياضية العربية إلى الخارج، كي يتسنى لها إظهار تلك المهارات عندما تلعب، وتبرز، في صفوف فرق عالمية أخرى، ليست الفرق العربية بينها.

في السياق ذاته، تحتل حلق المواطن العربي غصة لا يعرف كيف يلفظها، وهي أن الكفاءات العربية، فرقاً كانت تلك الكفاءات أم أفرادا، لا تحظى بالرعاية من لدن قياداتها على النحو الذي تجده نظيراتها الأجنبية، بما فيها تلك التي تنتمي إلى فئة البلدان المصنفة في قائمة البلدان النامية.

في البدء، ولمُعالجة القضية المركزية الأساسية وهي التخلف الرياضي العربي، يمكننا الإشارة إلى ثلاث مسائل مركزية، مفصلية، الأبرز بينها:

1.  أنَّ الأداء الرياضي لمجتمع ما، لا يمكن فصله، وهو أمر أصبح من المسلمات، عن الواقع الاقتصادي، وعلى نحو أكثر دقة السياسي الذي يمر به البلد المعني. إذ لا يمكن لبلد لا ينعم فيه مواطنوه بنظام سياسي صحي أن يتأهل مواطنوه، أفرادا أم مؤسسات في أي مجال من مجالات النشاط الإنساني. والرياضة لا يمكن أن تكون استثناء. فالنظام الاقتصادي / السياسي يعكس فيما يعكس الأداء الرياضي للبلد المعني. ومن هنا فعلى العرب، إن شاءوا البروز في المحافل الرياضية، أن يحققوا مراكز مُتقدمة في "مسابقات" التأهل السياسي/ الاقتصادي. في اختصار شديد، مخرجات أي نظام مهما بلغ من صغر الحجم أو كبره، رهن، إلى درجة كبيرة، بمدخلاته أولاً، وآليات معالجاته لتلك المكونات ثانياً وليس أخيرًا. ومن ثم فتخلف ذلك النظام، أو تقدمه، يترك كل منهما بصماته الواضحة على الأداء الرياضي لمواطنيه.

2.   أن التأهل للمشاركة في البطولات العالمية أولاً، واحتلال مراكز متقدمة في صفوف المتنافسين فيها لم يعد مسألة عفوية، بل أصبح بعد مروره بمراحل معقدة نظاما بيئيا (Ecosystem) متكاملا، تتشكل عناصره من مكونات متنوعة، تبدأ أولا وأساسا بالنظام التعليمي، وتعرج على نظيره الاقتصادي، قبل أن تحط رحالها عند النظام السياسي. ولكل من هذه الأنظمة الفرعية، أهميته، ونسبة أدائه، الإيجابية أو السلبية، في النظام البيئي المتكامل الذي نتحدث عنه. وفي غياب ذلك النظام، أو غياب أي من مكوناته الرئيسة، يفقد ذلك النظام نسبة عالية من قدراته، ومن ثم يصبح عاجزًا عن توفير مخرجاته السليمة التي ينتظرها المجتمع منه، بما فيها المخرجات الرياضية.

3.  أن لمن يحتل قمة الهرم السياسي، كما هو الحال في كرواتيا، دور في غاية الأهمية، عندما يتعلق الأمر بمد المواطن أو الفريق بشحنة الولاء التي يحتاجها كي يحقق مستوى الإبداع المتوخى منه، وهي الشعور بالمواطنة الموالية لبلاده. وهذا ما قامت به على الوجه الأفضل كوليندا غرابار كيتاروفيتش، فهي لم تميز بين أعضاء فريقها بل قبلتهم، بعد أن حضنتهم واحدًا واحداً دون تمييز للون أو أصل أو مكانة عائلية، وكررت الأمر ذاته عندما قامت بتهنئة الفريق الفرنسي الفائز، الذي ضم بين أعضائه نسبة عالية من اللاعبين الذين ينحدرون من أصول أفريقية.

وللعلم، ليست بطولات كرة القدم وحدها التي تثير مثل تلك التساؤلات والهموم العربية، فالمتابع لبطولات أخرى، بما فيها تلك الفردية، مثل التنس الأرضي، نجد تكرار الظاهرة ذاتها، حيث تلمع أسماء أبطال دول صغيرة أخرى مثل بطل التنس الصربي نوفاك جكوفيتش، والأسطورة السويسرية الذي تجاوز عمره الخامسة والثلاثين روجر فيدرير.