نحو مؤسسة لتعليم السياقة

سيف المعمري

شهدتْ جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية في السلطنة خلال العقود الخمسة الأخيرة من عمر النهضة المباركة تطورًا نوعيًّا، وجاء التطور مُتدرجًا ومتناغمًا مع طبيعة الإنسان العُماني، ووفقا للخطط التنموية الشاملة في جميع مؤسسات الدولة.

ورغم التطور الملحوظ الذي شهدته القوانين واللوائح المرورية في السلطنة، إلا أن قطاع مدارس تعليم السياقة لا يزال يراوح مكانه، ولا يزال غير مستند لإطار تنظيمي مؤسسي، ويغلب عليه الاجتهادات الفردية من أصحاب مدارس تعليم السياقة، بل حتى مسمى "مدرسة تعليم السياقة" بحاجة إلى اشتراطات معينة من أجل أن تكون بحجم المسمى "مدرسة"؛ حيث إنَّ المدرسة هو مسمى "مؤسسة" يفترض أن يكون مبنيا على أسس وقواعد معينة سيأتي ذكرها، فضلا عن أن هناك إجراء بحاجة لإعادة نظر في الحصول على ترخيص لمدرسة تعليم السياقة، ففي حين يمنح من اجتاز الدورة المعدة من قبل معهد السلامة المرورية كـ"مدرب سياقة" ترخيص لإنشاء مدرسة تعليم السياقة ويمنح موافقة لـ "لوحة واحدة فقط"، بينما يمكنه استئجار لوحات أخرى من قبل آخرين، فكيف يُمكن السماح لأشخاص بامتلاك عدة لوحات أرقام لسيارات تعليم السياقة وهم غير جادين في العمل بهذا النشاط؟!

وفي الجانب الآخر نحن نسمع عن مدارس تعليم السياقة، ولكن لا نشاهد مقارَّ ثابتة لها، ولا لمراكز التدريب في معظم ولايات السلطنة، وحينما يرغب المتدرب الحصول على رخصة القيادة، وبعد الحصول على الاستمارة المعدة لذلك من قبل إدارات المرور بجميع محافظات السلطنة، يبدأ البحث عن مدرسة تعليم السياقة أو بالأحرى يبحث عن مدرب تعليم السياقة، حيث يبدأ يسأل عن مدرب تعليم السياقة، فقد يذهب يسأل عنه في منزله، أو يبحث عن رقم هاتفه الشخصي، أو يترصد للقائه في مواقع الفحص داخل مراكز خدمات الشرطة، أو يسأل عن الأماكن التي يقوم فيها بالتدريب، فقد يكون بجوار منزله، أو في مزرعته، أو في مكان فضاء، حيث ستكون البراميل والعريش معلمًا لمدرسة تعليم السياقة التي يبحث عنها، وللأسف الشديد ونظرًا لعدم وجود مقار ثابتة لمدارس تعليم السياقة فهي بطبيعة الحال لا تحاكي -في أغلب الأحيان- مواقع الفحص التي يخضع المتدرب لها أثناء تأديته مراحل الحصول على رخصة القيادة، من حيث رصف مكان التدريب والخطوط الأرضية، والإشارات الضوئية ومقدار انحدار الصعدة، ألا يعد هذا الجانب بحاجة إلى إعادة نظر!

لماذا لا تقوم البلديات برصف وتهيئة مواقع لمدارس تعليم السياقة ومراكز التدريب أسوة بساحات المعارض؟ على أن تتوفر فيها كل الخدمات الضرورية من حراس أمن ومصليات ودورات مياه للرجال ولآخر للنساء، ومقاهٍ ونحوها؛ بحيث يكون لكل مدرسة مقر ثابت يكون مهيَّأ بالتكييف وثلاجة لماء الشرب.

أمَّا عن فترات التدريب، فهي الأخرى بحاجة لإعادة نظر، فهل يُعقل أن يقوم المدرب بدعوة المتدربين للتدريب بعد الساعة الواحدة ظهرًا في ظل عدم وجود أماكن ومواقع تدريبية مهيأة للانتظار، خاصة في فصل الصيف، وكون معظم المتدربين ومعظمهم من طلاب المدارس والمؤسسات الجامعية يزيد عددهم في فترة الإجازة الصيفية، وقد نما إلى علمي عدم سماح المدربين للمتدربين بتشغيل جهاز التكييف في السيارة أثناء التدريب؛ خوفا على تعطل جهاز التكييف!

وفيما يخُص رسوم التدريب والفحص، فهناك اجتهادات فردية أكثر من كونها تنافسية، وقد تتباين من محافظة إلى أخرى؛ فمثلا في البريمي تتراوح عقود التدريب 120-150 ريالا للشهر الواحد، شاملا مراحل إجراءات الفحص، ويتحمل المتدرب فقط رسومَ تقديم الفحص للشرطة والمقدر بـ5 ريالات عُمانية فقط. أما في نظام التدريب بالساعات، فتكلفة ساعة التدريب تقدر بـ10 ريالات، وهي إلى حد ما معقولة، لكن التناقض أن يطلب المدرب من المتدرب مبلغ 15 ريالا إذا رسب لكل مرحلة من مراحل الفحص، علما بأن مرحلتي الفحص تتراوح في البراميل والصعدة من 10-15 دقيقة، وفي مرحلة فحص الشارع لا تزيد على 25 دقيقة، ويطالبه بمبلغ 30 ريالا إذا نجح لكل مرحلة من مراحل الفحص، ألا يدعو ذلك إلى أهمية وضع رسوم محددة للتدريب ولساعات الفحص، وضمان الإنصاف للمدرب والمتدرب، هل يعقل أن يصبح تكلفة الفحص الواحد إذا رسب المتدرب  بـ20 ريالا، وإذا نجح 35 ريالا لكل مرحلة فحص!

ومواكبة لما تشهده المنظومة المرورية في السلطنة من تطور ملموس، والذي يبذل وبجهود مقدرة من شرطة عُمان السلطانية والمتمثل في إنشاء معاهد السلامة المرورية بجميع محافظات السلطنة، فإنه من الأهمية البالغة أن يتواكب ذلك مع إيجاد تنظيم مؤسسي لمدارس تعليم السياقة، ومعالجة واقعها الحالي غير المرضي من قبل جميع أبناء المجتمع، ليتواكب ذلك مع كل المنجزات الحضارية التي تفتخر بها السلطنة؟! وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت...

Saif5900@gmail.com