عندما يتقاعد الرجل

 

مدرين المكتومية 

الرجل ليس كائنًا مُعقدًا ولا يصعب التَّعامل معه لكنه صاحب مزاجيات متقلبة ومواقف في كثير من الأحيان تبدو مُتناقضة وربما يصل به الأمر لترك كل شيء واختيار البقاء في الجانب المُظلم من الحياة، ذلك الجانب الذي لا يقبل فيه المشاركة ولا المُبررات ولا حتى التخفيف عنه، وكلما كان بعيداً عن الآخرين، بقي آمناً، وكلما اقترب أحد من عالمه يبدأ بالثوران والانفجار، فهو مخلوق يفضل ألا يشارك أحد همومه ويختار اللجوء إلى العزلة في الكثير من الأحيان، إلا أنَّ كل ذلك يحدث بناءً على قرارات نابعة من اختياراته..

فماذا عن تلك العزلة التي تفرض على الرجل عندما يتقاعد عن العمل مثلاً؟

يُمثل تقاعد الرجل عن العمل جانباً آخر من جوانب الألم والمُعاناة النفسية التي يمر بها وتؤذي مشاعره، ولا اتحدث على العموم بل أقصد بعض الرجال الذين خلقوا في الحياة فوجدوا أنفسهم يصنعون الفارق لمن حولهم، ويبحثون عن التغيير ويبذلون قصارى جهدهم لتحقيق أهدافهم والتغلب على التحديات، وهو ما يخصم الكثير من صحتهم وأعمارهم وطاقاتهم، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف مضطرون لترك أماكنهم من أجل إخلاء المساحة للدماء الجديدة باعتبار أنَّ ذلك من سنن الحياة.

إلا أنَّ هذا الوضع يبدو بالفعل في غاية الصعوبة حيث يجد الرجل نفسه مطالباً بالتوقف فجأة عن الطموح ومواصلة السعي والتقدم في الحياة، مما يشعره بالاغتراب والمعاناة في المجتمع الذي صار ينظر إليه بشكل مختلف عن ذي قبل،  فهو اعتاد على أن تكون حياته مليئة بالتفاصيل والأحداث، مليئة بالمواقف، مليئة بالمعاملات، فجأة بين ليلة وضحاها يجد نفسه جالساً في المنزل دون عمل فتبدأ المعاناة والصراعات الداخلية والتي تنتقل في بعض الأحيان بشكل طبيعي إلى من حوله، خاصة عندما يبدأ في البحث عن اهتمامات جديدة لينشغل بها في المنزل، فيقوم على سبيل المثال بالتدخل في أمور عائلية لم يكن يهتم بها في السابق مثل تفاصيل تتعلق بالمطبخ أو بالنظافة أو حتى بملابس من حوله.

حين يدخل الرجل في مرحلة التقاعد تطرأ عليه اختلافات لم يعتد عليها أفراد أسرته ولا حتى هو نفسه خاصة وهو لايُدرك الوسائل التي تساعده على التكيف والتعامل مع الأوضاع الجديدة، لتتراجع ثقته بنفسه وثقة من حوله ويجد الآخرين فقط يقفون عند كونه شخصاً لا داعي لوجوده وأنه بلا وظيفة أي أنه بلا حياة وهدف، فتتسلل إلى داخله كل الأفكار السلبية تجاه الآخرين، ويصل الأمر به ليفقد سيطرته ويبحث عن ممارسة دور بديل مع أفراد أسرته، الذين يتفاجأون من تصرفات والدهم في هذه السن.

وحين نواجه مشكلة مثل هذه علينا أن ندرك أن مفتاح الفهم والحل يكمن في الفراغ الذي يشعر به الفرد والذي يجب أن يتم شغله بالمناسب والمفيد له وللمجتمع، خاصة إذا علمنا أنَّ هذا الفراغ يؤدي إلى مشاكل نفسية كبيرة قد توجب على من يعاني منه اللجوء إلى طبيب نفسي إذا دخل في مرحلة من الاكتئاب وفقدان الرغبة في التواصل مع الناس، فالفراغ يوصل الشخص إلى النهاية التي لا بداية لها، لكن التقاعد بالنسبة للآخرين هو فرصة للراحة وللحصول على حياة أفضل كالاهتمام بالبيت وتعويض الأم عن تعب سنوات طويلة.