ثلاث قصص قصيرة


ايهاب القسطاوى – فلسطين
(1)
«أستيقظ من نومي، أرتدي قميص وطنى الملطخ بالدم، أضع الشمس في جيب بنطلوني، أتأكد من سلامة حقائقي المطلقة، وأخرج لأخوض معركة وجودي، وغالبا براءة الصباح تحرضنى على فعل أشياء جريئة ومجنونة، مثل تقبيلك الآن بلا خجل من الشمس».
(2)
«ظل الليل مستمرا في إطلاق توسلاته واستغاثته، حتى تلك اللحظة، التى تدخلت لتحمل له مزيدًا من الضي، كانت تمطر حضرة وجعة ببللورات نجوم باردة ناصعة البياض، شبيهة بحليب السماء، فتغسله وتجرده من جرحه، فيعود الضي متلبساً به بعد مسير طويل كد من سلكه وحدة، فتحررره من أسر سواده ، وتخلق أسباباً للنبش عنه في ذاكرة الصباح، وبين أصابعها المشغولة بالفجر كانت تحمل شمسا فى طبق فضي براق اصطفت حوله قطع متناثرة من أعشاب السحاب، لتقديمه وليمة إفطار ليل جائع بعد طول انتظار، حينذاك هرع تحت تنورتها البيضاء المتقاطعة بخيوط أفقية زرقاء، شخوص كثيرة غيرت كل الأوصاف فى فوضى الحياة للاحتماء، بينما ذهب بعضهم فى محاولة بائسة لإهانة مطرها بالانزلاق تحت مظلتهم السوداء، لكن هيهات أن تغلب المظلة المطر».
(3)
«عندما انسحبت الشّمس إلى مضاجها وراء مرايا لا تنام، حلّت الست "حسنية" ضفائرها المعقودة بعقد الليل وعلى شموع القمر أسدلت وشاحها الأسود قنديل صمت على إيقاع موال صعيدى حزين، عفر الطحين الأبيض وجهها الأسمر وكأنه ابتسامة ليلة عيد، كان لفناء الدار التى افترشته ووزواياه رائحتها، في حين أخذ الأولاد يتجمعون وحتى الجارة الست "زينات" ليعتلوا معاً صهوة "طبلية" واحدة وعجانة، لنقش الكعك الأسود فيتناغم إيقاع المناقيش بأناملهم المنسكبة بليونة نسائم ليلة صيف، وتُصغر التفاصيل بمجسمات دقيقة مهرًا للولد وعروسة للبنت ورصها فى "الصاجات"، وهنا بكى ابنها الملطخ جبينه ببقايا الطحين وهو يتشبث بزيل ثوب أمه حالك السواد، قائلا : " كيف نصنع من الطحين و روائح الأحلام، علمينى يا أمى، أحاول أن أعجن "وطنًا بنكهة الإنسان".. فيخيّم الصمتُ من جديد».

 

تعليق عبر الفيس بوك