عبد الله العليان
لاشك أنَّ حزب العدالة والتنمية التركي، منذ سنة 2002 حتى الآن، حقق نجاحات كبيرة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مما يدعو للتأمل والتحليل في هذا النجاح المتواصل دون خسارة تُذكر أو منافسة من الأحزاب الأخرى؟ على الرغم من أنَّ الأحزاب العلمانية، ترسخ وجودها السياسي والاقتصادي والفكري منذ فترة طويلة، ورصيدها متتالٍ منذ إلغاء الخلافة العثمانية في العشرينيات من القرن الماضي من قبل قيادات الجيش التركي الذين يتزعمهم كمال أتاتورك الذي فرض العلمانية بقوة على المجتمع التركي إلى عام 2001، ولاشك أنَّ هذه النجاحات جعلت العديد من المُحللين والمهتمين بالشأن التركي للنظر في الأمور التي يُحققها حزب العدالة والتنمية، أنَّه أهتم بقضية الاقتصاد والتنمية، التي أعطاها الأولوية في نشاطه وبرامجه السياسية في العقود الماضية، ومن الحق أن هذا النجاح، لم يكن طارئاً، فقد كان للقيادات الحالية لحزب العدالة والتنمية، التي كان يتزعمها السياسي المعروف نجم الدين أربكان، وخاض هذا الحزب النشاط السياسي منذ ما يقرب من نصف قرن، تحت مُسميات عديدة، بعد كل إلغاء نشاطه ومضايقات واعتقالات، وهذه الممارسات التي فرضها النظام العلماني، ضد هذا الحزب الذي يحمل الهوية الإسلامية، لكن قياداته استفادت مما واجههم من عوائق في نشاطهم السياسي، من حيث التزامهم بالدستور والنظم التي تمَّ وضعها، ولم يتخذوا مواقف عنيفة مُضادة، مع كل الضربات التي وجهّت لهم، بل استمروا في نشاطهم وفق القوانين التي وضعها النظام السياسي التركي، مع التغيير لحزب جديد بعد وقف نشاط حزب سابق لهم، وبعد اعتقال الزعيم السياسي الراحل نجم الدين أربكان، ومنعه من العمل السياسي لعدة سنوات، اتجه قيادات هذا الحزب إلى تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، ومنهم رجب طيب إردوغان، وبولنت إرينج، وعبد الله جول، وعدّل هذا الحزب من الكثير من المفاهيم التي تصادمت مع العلمانية، وابتعد عن طرح القضايا الجدلية والفكرية في الساحة السياسية التركية، واهتم بقضية بناء تركيا الاقتصادي والاجتماعي، ومحاولة الاستفادة من الرؤية العلمانية وتكييفّها في قضية الحريات التي تعطيهم المجال لترسيخ رؤيتهم الاقتصادية والاجتماعية داخلياً، دون الدخول في الخلاف السياسي الجدلي بين الأحزاب العلمانية الكبيرة التي تعاقبت على حكم تركيا، وبالفعل نجح الحزب في الوصول للحكم عام 2002.
ركز حزب العدالة والتنمية على الإصلاح الاقتصادي بصورة كبيرة، وانفتح على كل الشرائح الفكرية في الحزب، ولا يعطي الانطباع على أنَّه حزب إسلامي حتى لا يتعرض للإغلاق مثل المرات السابقة، فتحرك بحكمة ورؤية هادئة، وفق ما هو متاح من القوانين في الجمهورية العلمانية، واستفادوا من التجارب التي مرت على الأحزاب التي كانوا هم أيضاً أقطابها، بزعامة أربكان وتم إغلاقها مثل:( حزب النظام الوطني، وحزب السلامة، وحزب الرفاه، وحزب السعادة). فانطلقوا من شعار محدد وبارز، في خطابات حزب العدالة والتنمية، وهو "العمل من أجل كل تركيا، واستقطاب مختلف الشرائح"، كما أشاع في أدبياته السياسية وبرامجه الانتخابية أنَّه (حزب ديمقراطي محافظ ينطلق إلى تطوير تركيا الجديدة)، ولكنه يركز على الهوية الإسلامية، ولوحظ أن العديد من أدبياته تكررت فيها كلمة (الديمقراطية المُحافظة)، ولذلك لا يتحدَّث عن العلمانية كرؤية مختلفة مع الدين لأن مخالفة العلمانية يعد مخالفاً للدستور، بل يرى أنها مبدأ من مبادئ الحرية التي تعد من قيم الجمهورية التركية، وليست بالضرورة تعادي الدين، وهذا أيضاً للحق موجود حتى في الدول العلمانية الغربية التي لا تتخذ موقفاً معادياً للدين، لكن الإشكالية أن كمال أتاتورك أتخذ موقفاً حاداً من الدين ومن القيم الدينية، وردات فعلها كان عكسيا بعد عقود، فالفرض والقسر لا تحقق النجاح المأمول.
ولاشك أنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حقق نجاحاً كبيراً في سياساته التي اعتمدها بعد نجاحه بالرئاسة المرة الماضية، وهذا النجاح الكبير، تركز في الجانب الاقتصادي والتنموي داخليًا، والسياسي والدولي خارجياً، أكسبه شعبية في الداخل، بالرغم من أنَّ مواقفه من بعض السياسات الدولية، كانت متوترة، لكن يبدو أن الشعب التركي أدرك نجاح هذه السياسة الدولية، وكذلك النجاح الكبير في المشاريع العملاقة الاقتصادية بالأخص، على الرغم من التحركات من جانب بعض الدول الغربية لإضعاف الاقتصاد التركي، وافتعال أزمات معها في بعض السياسات الإقليمية، إلى جانب النجاحات الاجتماعية خصوصاً الجانب الذي يمس معيشة الأتراك واستقرار الأحوال الاقتصادية.
والآن فإنَّ الرئيس التركي إردوغان بعد انتخابه بنجاح كبير فاق كل التوقعات، يفكر بالرؤية الجديدة التي يُخطط لها منذ سنوات مع أركان حزبه كرؤية مستقبلية (رؤية 2023)، التي يجعل تركيا قوة اقتصادية كبيرة تجعل منها إحدى الدول المتقدمة التي يشار إليها بالبنان من حيث المشاريع الصناعية، ويرى الرئيس رجب طيب إردوغان أنَّ هذه الرؤية "إن تركيا 2023 التي نتخيلها نحن الشعب التركي، هي بلد قد اجتاز المحن تماماً، وأتم التنمية، وكذلك هي الدولة الديمقراطية التي استطاعت تحقيق الشروط اللازمة لتصبح دولة اجتماعية". ويضيف إردوغان أن "هدفنا أن نحتفل بالعام المئة لتأسيس جمهوريتنا، بحيث تكون تركيا قد دخلت في قائمة العشر الأوائل في العالم، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل على الصعيد الديمقراطي. ومن أجل هذا ما يجب علينا فعله هو أن نتأمل تاريخنا جيداً".