نحو إنشاء مركز مسقط المالي

 

حمود بن علي الطوقي

 

قلت في تغريدة على حسابي في تويتر معلومة استقيتها من مصادر رسمية "إن ‏حجم تحويلات القوى العاملة الأجنبية في السلطنة في العام المنصرم 2017م بلغ مبلغًا وقدره 3,774 (ثلاثة مليارات وسبعمائة وأربعة وسبعين) ريالا عمانياً." استوقفني كثيرًا هذا المبلغ الضخم الذي يستنزف بشكل سنوي ويحول خارج البلاد بطريقة رسمية وعبر مصارفنا دون قيود، وكون أنَّ أهم ما يُميز الاستثمار في السلطنة عدم وجود قيود على تحويل الأموال، فإذا كان لهذا التوجه حسنات للمقيمين والمستثمرين فكان الأجدر أن يواكب ذلك قوانين وتشريعات تشجع القوى العاملة الأجنبية وغيرها على توجيه جزء من مدخراتهم للاستثمار في البلاد من خلال وجود أوعية استثمارية مُشجعة ومحفزة وجاذبة، كالسماح لهم بالشراء والاستثمار في القطاع العقاري والاستثمار في بيع وشراء الأسهم وأيضاً السماح بجلب العمالة الأجنبية لعائلاتهم، وإنشاء شركات حقيقية بعيدة عن ما يُعرف حاليا بالشركات والتجارة المستترة، كون ذلك يمثل حلاً مُهماً لاستقرار هذه القوى الأجنبية، كما نرى أيضًا أنَّه من المناسب فتح المجال والسماح لاستقدام وتنويع والسماح لجنسيات أخرى يُمكنها أن تساهم في تنشيط الحركة التجارية والاستثمارية في السوق المحلية بدلاً من التركيز على جنسيات محددة ظلت ترافقنا على مدار الخمسة عقود الماضية.

 أعود وأقول إنه في ظل وجود تنظيم وتشريع حتماً سيكون سبباً في تضييق الفجوة لاستفادة ورفد اقتصادنا بجزء من هذه المبالغ التي تخرج من بلادنا من غير أية قيود. حقيقة إنَّ المتتبع لهذه الأموال التي تخرج يستطيع أن يستنبط أنها تشكل قيمة إضافية للاقتصاد الوطني إذا أحسنا التفكير الإيجابي في توظيفها وتوجيهها في السوق المحلية، وهذا الأمر لن يتحقق في ظل عدم وجود قانون وتشريع يُقلل من حجم التحويلات. هنا نرى من الضروري على الجهات المختصة والمتمثلة في المجلس الأعلى للتخطيط ووزارة المالية والبنك المركزي العُماني وكذلك من الصناديق السيادية إلى أهمية تبني قوانين مشجعة لاستثمار أموال القوى العاملة الأجنبية وغيرها لرفد الاقتصاد الوطني. إن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحاً لتكون للسلطنة مركزا ماليا قويا كبقية العواصم ويكون لهذا المركز المالي قانون خاص ومختلف يستقطب الأموال الأجنبية وحتى المحلية والمهاجرة من الشرق للغرب ومن الجنوب للشمال، ويستهدف هذا المركز المالي كبار الأثرياء من مختلف دول العالم لتكون السلطنة قبلتهم الآمنة لاستثماراتهم، ونعلم أن هناك أثرياء من العرب وغير العرب يملكون أموالاً طائلة ويدخرونها في البنوك الأوروبية والأمريكية وبإمكان السلطنة أن تكون محطة لهذه الأموال إذا كان لدينا مركز مالي، كون أن لدينا ما يُميزنا كالاستقرار الأمني الذي تتمتع به السلطنة وهذه السمعة الطيبة كفيلة لتكون بلادنا قبلة مهمة ومحطة جاذبة للأموال، لأن الجميع ينظر إلى عمان كبلد آمن ومستقر وأفضل من بقية الدول التي تعاني من الحروب والدمار وعدم الاستقرار. الحديث عن إنشاء مركز مالي ليس وليد اللحظة بل كان هذا التفكير ضمن متطلبات الرؤية الاقتصادية لعُمان ٢٠٢٠ ولكن للأسف لم يتحقق هذا الحلم وجاءت دول بعدنا وأنشأت هذا المركز المالي لتجني خيرات كثيرة وتسبقنا كون أننا لم نطبق الأفكار وظلت حبيسة الأدراج على الرغم من التوصيات والمبالغ الضخمة التي صرفت من أجل إقامة هذا المشروع.

يبقى الأمل موجوداً وأن نصل خير من ألا نصل لهذا أرى من الضروري أن نشمر عن سواعدنا ونفكر بعمق لكي ننشئ أوعية استثمارية تواكبها تشريعات من القوانين تعمل ضمن منظومة ما يُعرف بالتنافسية من مبدأ لا ضرر ولا ضرار. علينا أن نضع مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات وأن نضع النقاط على الحروف ونحدد أهدافنا المستقبلية فالفرصة مازالت قائمة وأي تأخير لن يكون في صالح اقتصادنا. أخيراً. أهمس في أذن المُخططين أنَّ هناك استثمارات محلية تخرج أيضا لتبحث عن موطئ قدم خارج البلد وحجتها أن هناك عراقيل وروتيناً مملاً يخرجنا عن منظومة التنافسية، فهل نعي الدرس ونستبق الزمن لنصل إلى الهدف المنشود. أتمنى ذلك.