مساعد المفتي: القراءة أساس عمارة الحضارة والدين جاء لنفي الاستبداد المعرفي

 

مسقط - أحمد الجرداني

أكد فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المُفتي العام للسلطنة على أهمية القراءة، مشيراً إلى أن هذا الدين جاء لنفي الاستبداد المعرفي وفي صدارة الاستبداد، استبداد رجال الكهنوت الذين يحولون بين النَّاس وبين وحي الله تبارك وتعالى الهادي للصراط المستقيم، فكون أول آية يتلقاها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي (اقرأ) في هذا آذان بأنَّ الحضارة المُنبثقة من الرسالة الخاتمة هي حضارة علم وبحث معرفة وإنعاش ونظر وعلم وأقلام وقراءة وعقل وكل ما يُمكن أن يرتقي بفكر الإنسان ويُغذي عقله ويبعث فيه حب الاستطلاع لما في هذا الكون، ليزيد يقيناً بالله والإيمان بالغيب والنفاد بعد ذلك إلى حسن الطاعة له جل وعلا.

 وأضاف في برنامج (سؤال أهل الذكر) الذي يبثه التلفزيون العماني: إن الإنسان الجاهل عرضة للوقوع أسيرا، أسيرا للخرافات والأوهام والأساطير لينحط بعد ذلك إلى مستوى البهائم العجماء غواية وضلالة وبعدًا عن المنهج الرباني الذي يريده له خالقه ومدبر هذا الكون جل وعلا هذا أيضًا يلحظ من هذا المعنى.

 كذلك في هذا الوحي الأول الذي تلقاه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مساواة للبشر فإن كان الخطاب موجهاً للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أنَّه يصدق خطابا لكل من وصلهم، فهم سواء في تلقي هذا الخطاب فهم مأمورون بالقراءة (باسم ربك الذي خلق) فلا يُمكن أن يستعلي أحدٌ على أحد، لأن الكل مخاطبين ومدعوون لامتثال هذا الأمر.

وأضاف فضيلة الشيخ: الحكمة من كون مفتتح الوحي بهذه الآيات الكريمة من سورة العلق أنها تأذن بأنَّ القراءة هي أساس الحياة وهي منهج حركة هذا الإنسان وهي أساس تعمير حضارته والباعث الأول على إقامة صلات بين بني البشر بعضهم لبعض، وهي المكون الجوهري في نقل التراث الإنساني والعلوم والمعارف والثقافات والحضارات إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. ولذلك تفاعلت مع هذا الخطاب كل الحضارات وكل أصحاب الملل، انتعشت عندهم القراءة والعناية بالكتاب وأدركوا أن سر النماء والتطور إنما يكمن في اقرأ. لذلك نجد أنه من يأخذ ويتبع هذا المنهج فإنَّ الله تعالى يكتب له الريادة، ومن يتخلف ينال الجهل والضعف والهوان.

وحول منهج القراءة والسمات يقول فضيلة الشيخ الدكتور: الآيات الخمس الأولى التي هي أول ما أنزل تكرر الأمر بالقراءة فيها مرتين وهي "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ..) لكن الحث على العلم والقراءة وما يتصل بالعلم من أدوات ورد كثيراً في كتاب الله، وعناية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت بعناية الوحي وقد كرم من يحسن القراءة والكتابة فخصهم أن جعلهم كتبة الوحي وكان يفدي أسرى المشركين بتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة.

ولذلك فإنَّ القراءة من أخص سمات هوية المسلمين ولابد منها اليوم حتى تفهم الأجيال المتتابعة أن القراءة من جوهر هويتهم الإسلامية.

إذا فهمنا هذا، أمكن لنا النظر في حضارة المسلمين فقد أخذوا من غيرهم ما يوافق الحق ونقوه من الشوائب وأضافوا إليه من أبحاثهم وبلغوا مكانا عظيما من العلم والمعرفة بمختلف أنواعها كالتاريخ والفلك والرياضيات والفيزياء والطب.

هذه الريادة العلمية كان منشأها تلك النقلة الحضارية التي أنشأها القرآن فيها ومن المعايير التي يستند إليها في المؤسسة العلمية من أبحاث واقتباس إنما هو من القرآن الكريم.

وما نفع التعرف على هذه الحقيقة إلا أن ندرك أهمية القراءة وأن القرآن الكريم شكل لنا الهوية الحقيقية ولذلك لابد اليوم أن نعود إلى معرفة أن القراءة ليست من الفواضل ولا يُمكن جعلها من آخر أولوياتنا وعلينا أن نجعل في صدارة ما نقرأ ما نتمكن به من فهم القرآن ومعرفة حسن بيانه حتى نشعر بجمال القرآن ونتذوق حلاوته وحتى يصححوا نظرتهم للحياة وإلى الناس فيها.

 وعن تأثير القراءة في شخصية الإنسان قال فضيلة الشيخ:

ثبت علمياً بالنسبة للشخص البالغ أنَّ القراءة تحفز التركيز وتنشط الذكاء وتقوي الذاكرة وتعين على الإبداع وتكسب مهارات كما أنها تنفي أمورا سلبية كالتوتر وتعالج الاكتئاب وتطيل العمر وتكافح الشيخوخة ويقصد بها الأمراض المصاحبة للشيخوخة. فالقراءة تنفي هذه الآثار السلبية جميعًا وعلى مستوى الأطفال تنمي المهارات الإبداعية وتنمي قدرتهم على التواصل مع الآخرين والإبداع في الكتابة وتدعوهم إلى مزيد من القراءة والبحث والدراسة.. ولكن عددا من أرباب الوعظ والإرشاد والفتوى تضيق أنفسهم بالسؤال والبحث.

ودعا فضيلة الشيخ الدكتور كهلان الخروصي المسؤولين إلى أن ينتقوا ما هو أكثر نفعا وفائدة وتحصينا لأجيال المسلمين وهناك اليوم وسائل للقراءة ما عادت محصورة وهناك وسائل تُمكن من الرد على الشبهات التي يُثيرها خصوم الإسلام ولا مانع من استشارة أهل الدراية والاختصاص.

فكل الإحصائيات بها مبالغة واضحة

وحول عبارة (أمة اقرأ لا تقرأ) قال فضيلته:

أنا لم أطلع على إحصائيات أمينة فكل الإحصائيات بها مبالغة واضحة في رفع شأن قراءة غيرنا وتحقير قراءتنا، والسواد الأعم يقرأ بقصد الترفيه والتسلية بما يعرف بالخيال المحض حتى من تصنيف النقد هو متدنٍ جداً ومع ذلك تلقى رواجا مع أنها لا تحقق معرفة كما نتمنى وجود إحصائيات دقيقة، لأن قبول الإحصائيات التي تنشر قد تورث المسلمين شيئاً من القنوط.

وفي السنوات الأخيرة ملاحظ أن هناك توجها إلى القراءة من أبناء المسلمين وهذا لا يمنع من وجود أزمة قراءة وتأليف وترجمة ونشر ومع ذلك لابد لنا من التصحيح ولابد أن يكون هناك مبادرات ومشاريع تحث الناس على القراءة بمختلف أطيافهم وتركز على الناشئة بطريقة تبعث فيهم الشغف للتعرف والتثقف.

وعن أنواع الكتب والأوقات والمجالات في القراءة قال فضيلته: كل إنسان عليه أن يتبين ما هو أفضل من أوقات وأنواع الكتب ويختار متى يكون أكثر تركيزا وأن يحدد لنفسه قدرا في مجال من المجالات ويضع لنفسه خطة وبرنامجاً ولا يشترط التقيد ولكن تحمل النفس على توفير وقت وأجواء وظروف تعين على القراءة.

والناس يتفاوتون في قراءتهم وكل إنسان إن لم يذاكر ما قرأ يعتريه السهو والنسيان وعدم الدقة.

 فالقراءة ليست أمرا هامشيا بل علينا أن نقرأ أكثر حتى ترسخ المعلومات ثم الحوار مع إخواننا وأصحابنا ونتذاكر تلك الحصيلة التي قرأناها وبهذه الوسائل يمكن أن نجدد المعلومات التي قرأناها.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك