المسجد يستعيد حضوره في رمضان

 

 

زينب الغريبية

 

نعيش في رمضان أجواءً استثنائية كل عام، نشهد فيها الخير والتواصل والعطاء، الذي نفتقده في بقية أيام العام، فيها يعود للمسجد دوره المحوري في حياة المسلمين، وهذا هو الدور الطبيعي للمسجد الذي يفترض أن يكون عليه، فهو مركز العبادة، ومركز تجمع ذوي الدخل المحدود ليجدون ما يأكلونه، ويجتمعون ويتعارفون تحت مظلة العطاء، ومركز جمع العطاءات المالية لإعادة توجيهها لبقية المجتمع في مكانها الصحيح، ومركز العبادة وازدحام الصفوف للتراويح والقيام من الرجال والنساء والأطفال.

يجتمع الكثيرون لا سيما من الجنسيات الآسيوية في صحون المساجد، ينتظرون الإفطار، الإفطار الذي إما جمع حقه نقدًا عن طريق صندوق التبرعات بالمسجد أو عن طريق التبرع بالأطباق والمأكولات والماء واللبن يومياً من المنازل المحيطة بالمسجد، عند المرور على المساجد في وقت ما قبل المغرب تبتهج النفس وتسر العين لمنظر تلك الجموع التي تجد المسجد مأوى لها تجد فيه سد الجوع والألفة.

لما نجعل هذا المشهد مقتصرًا على رمضان؟ لما لا تحتضن المساجد هؤلاء البشر طيلة السنة؟ لما لا نشعرهم بأنّهم متواجدون في مجتمع مسلم حقيقي، يجدون فيه الألفة والاحتضان؟ ماذا سيُكلفنا لو تبرع المحيطون بكل مسجد بمبلغ شهري لصندوق المسجد لتوجيهه لإعداد وجبة عشاء بعد صلاة المغرب لهؤلاء المحتاجين؟ أو أن يتبرع المحيطون بالأكل والشراب طيلة أيام السنة بأطباق تتجمع لتلك الوجبة؟ كيف سيشعر هؤلاء البشر وهم بيننا؟ ما الصورة التي ستنطبع في أذهانهم عن المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه؟  

تجمع الزكاة بمبلغ محدود عن كل فرد يقدر في الغالب (ريال وثلاثمائة بيسة) عن كل شخص في العائلة، يبدو مبلغًا بسيطاً على الإنسان الذي يستطيع ليوضع في صندوق المسجد ويوجه للإنسان الذي لا يستطيع، وبالتالي يحدث التكافل الاجتماعي المطلوب، لما نجعله مقتصرًا على رمضان؟ لما لا يعمل صندوق الزكاة في المسجد بنفس الكفاءة طيلة شهور السنة؟ لما لا نجعلها عادة شهرية تجعل من المسجد مركزًا حيوياً للحي الذي يتوسطه؟

في رمضان تضج المساجد بالذكر والدعاء، وصفوف المصلين تزاداد في مصليات الرجال والنساء، وكذلك الأطفال فوق سن السادسة ذكورا وإناثا يعيشون أجواء روحانية مع الصلاة في التراويح والقيام في العشر الأواخر، حتى الصلوات النهارية الأخرى يحرص الكثيرون على تأديتها في المسجد في أيام رمضان، لما نجعل ذلك مقتصرًا على رمضان؟ لم لا تستمر المساجد عامرة بالهدف الرئيسي الذي بنيت من أجله؟ لم لا نُربي أنفسنا وأبناءنا على حب المساجد والمواظبة عليها؟  ويعود المسجد بدوره الحافل مركزا للعبادة والعلم.

 

في المسجد القريب منّا، تواظب النساء في البيوت المحيطة، ألفنا وجوه بعضنا، وتعارفنا فيما بيننا، بعد صلاة القيام، يجتمع المصلون على وجبة السحور التي جمع حقها من تبرعات الناس أنفسهم، يجتمعون يتعارفون، ويتبادلون الأحاديث الجميلة في أجواء روحانية ليلية، لما نترك هذه المشاهد الجميلة تعود لنا مرة في كل عام؟ لما لا نجعل المسجد مركزًا للتجمع والإخاء؟ نجتمع للعبادة والتعارف وزيادة التآلف المجتمعي..

نحن قادرون على أن نستعيد المسجد ليكون المؤسسة الأولى في حياتنا الإسلامية، فيقوى وتقوى به حياتنا، ويزيد تآلفنا وتقاربنا، وألفة من يعيشون معنا من وافدين يعملون بيننا، نجعله مركزًا ينبض بالحياة، ويشع النور للمجتمع المحلي المحيط به، أو نتركه لإقامة الصلوات الخمس لصف واحد وقد لا يكتمل أحيانًا من الرجال، وصلاة الجمعة التي يجتمع فيها العُماني والمقيم على خطبة قد لا تمس الحياة المعاصرة وبلغة صعبة أحيانا على العامة، حتى أن الوافدين من جنسيات أخرى لا يعون من صلاة الجمعة إلا ركعتي الجمعة نفسها.