طالب المقبالي
" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا " صدق الله العظيم.
الحجُ فريضة على من استطاع إليه سبيلاً، سواءً بالصحة البدنية أو بالمال الذي يكفل للمسلم أداء هذا الركن من أركان الإسلام، ومن سماحة الإسلام أنَّه أسقط الحج عن غير المُقتدر من أداء هذه الفريضة ولا يُكلف بما لا يستطيع، ولا يصح الاستدانة لأداء مناسك الحج لأنَّ التخلص من الديون والتبعات شرط من شروط أداء هذه الفريضة التي تؤدي مرة واحدة في العُمر.
ففي عام 1989 قد منَّ الله عليَّ أن رزقني بأداء فريضة الحج، فكانت من أمتع الرحلات في حياتي، وكانت من أطول الرحلات التي قضيتها في رحاب الديار المُقدسة. الرحلة كلفتني خمسين ريالاً للراحلة وخمسين ريالاً للتغذية وخمسين ريالاً للأضحية بما مجموعة 150 ريالاً فقط.
وفي عام 2010 أكرمني الله بحجة أخرى بلغت تكلفتها 500 ريال، فبين رحلة بخمسين ريالاً، ورحلة أخرى بخمسمائة ريال الفارق بينهما صفر واحد، لكن الفارق المادي تسعة أضعاف.
لقد كانت رحلات الحج في تلك الأيام تتسم بالروحانية لبساطتها وعدم التَّكلف فيها، وتأدية المناسك بأريحية ويسر، فيما تتسم رحلات الحج الآن بالتنافس والمُباهاة بالعروض والخدمات التي تقدمها حملة دون حملة أخرى. وهناك من يتفاخر في إسكان الحجاج في الأبراج المطلة على الحرم وكأن الشعائر تؤدى بالجلوس على شرفة الفندق والنظر إلى الحرم، وكذلك التفاخر في المخيمات في منى بإقامة البوفيهات وتقديم ما لذ وطاب من الأطعمة، كما تتفاخر الحملات بتقديم خيم فاخرة تقاس بفئة الخمسة نجوم.
هذا التنافس أدى إلى المُغالاة في الأسعار التي تصل فيه تكلفة الحج إلى 1900 ريال وقد يتخطاها هذا العام، وهذه التكلفة أيضاً قابلة للارتفاع خلال السنوات القادمة.
هذه المنافسة والمغالاة في الأسعار قد تحرم الآلاف من أداء فريضة الحج التي لا يستطيع الفقير ومحدود الدخل إليه سبيلا.
وقد طالبني البعض بالكتابة عن هذا الموضوع لما له من أهمية، ولكون هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار يؤرق الجميع، وهناك مطالبات بقيام وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالتدخل لكبح جماح جشع المقاولين ووضع آلية تنظم هذا الجانب تجنبا لحرمان ذوي الدخل المحدود وذوي الدخول المتدنية من أداء هذه الفريضة التي تجب على المستطيع مرة في العمر.
هناك مطالب بتخفيض أسعار تذاكر السفر للحجاج في إطار المسؤولية الاجتماعية للطيران العماني ولأي طيران ينطلق من عُمان. كذلك هناك مطالب بتوفير بنايات في مكة المكرمة والمدينة المنورة على غرار بيت الرباط لذوي الدخل المحدود والمعسرين لتوفير تكاليف الإقامة في الديار المقدسة.
لقد وفرت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع بعثات الحج من مختلف البلدان الإسلامية مخيمات مجهزة بكافة الخدمات التي تضمن سلامة وراحة الحجاج تستوعب جميع الحجاج من كافة أصقاع المعمورة.
إلا أن بعض المقاولين قد استغلوا هذا الوضع وحولوا هذه المخيمات إلى فنادق من فئة الخمس نجوم، من أجل التجارة والربح السريع، وبالتالي يتفاخر بعض الحجاج للأسف بإقامتهم في مثل هذه المخيمات ويتباهون بها أمام أصحابهم الذين قدموا في حملات أخرى، مُقللين من شأن تلك الحملات التي قدموا معها.
لقد أصبح الحج تجارة، والمغالاة في الأسعار ستصبح واقعاً لا مناص منه إذا لم تتدخل الجهات المعنية لتقنينه ووضع الضوابط والشروط الملزمة بذلك، مع وضع سقف أعلى للتكلفة حتى لا يحرم المسلمون من أداء فريضة الحج التي أصبح يحسب لها ألف حساب للقفزات غير المبررة في الأسعار.