خلفان الطوقي
كتبتُ مقالة في هذه الجريدة بعنوان "عُمان وأهمية الشراكة مع الصين" قبل خمس أسابيع من اليوم وتحديدًا بتاريخ 30 أبريل 2018، عن أهمية التعاون الاستراتيجي مع جمهورية الصين وركزت فيها على مبادرة طريق الحرير الجديد أو ما يُسمى بمبادرة "طريق واحد.. حزام واحد" واليوم أكتب لأعبر عن مدى سعادتي بالتطورات التي حدثت منذ ذلك اليوم إلى الآن، وسوف ألخصها في الأسطر التالية.
أكثر ما يبهج النفس حول موضوع الشراكة مع الصين هو قرار مولانا السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- والرئيس الصيني شي جين بينج بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين السلطنة والصين في تاريخ ٢٥ مايو 2018، وتركيز البيان المشترك في نقاطه المتعددة على الجوانب الاقتصادية وبالأخص مبادرة الحزام والطريق "حزام واحد.. طريق واحد" واستعداد السلطنة لتكون عضوًا نشطًا في هذه المبادرة، والتي عبرت عن استعدادها لتقديم أي دعم يضمن تواجدها في هذه المبادرة، وتكون جزءا من الدول التي وقعت مع الصين كجزء من هذه المبادرة والتي ضمت أكثر من ستين دولة إلى الآن، وما ميز البيان المشترك الصادر من القيادتين العمانية والصينية هو اختيار كلمة أنّ السلطنة ستكون عضوا "نشطا" في هذه المبادرة العالمية التي ستُغير موازين العالم الاقتصادية.
من باب المصادفة البحتة أن يتم إعلان البيان المشترك بين السلطنة والصين في موعد يتابع فيه جميع العمانيين والمقيمين تلفزيون سلطنة عمان، حيث تصادف مع الأنواء المناخية التي مرت على السلطنة الأسبوع الماضي، وبالرغم من تركيز المشاهدين الشديد على متابعة أخبار الأنواء المناخية إلا أن الجميع علم بموضوع الشراكة الاستراتيجية بين السلطنة والصين وسمع عن مبادرة طريق الحرير الجديد أو مصطلحات مثل "الحزام والطريق" أو "حزام واحد / طريق واحد"، ويمكن للمهتمين وحتى المسؤولين الحكوميين أن يبحثوا عن أهمية تواجد أو إيجاد موطئ قدم للسلطنة في هذه المبادرة الأكبر على مستوى العالم في هذا القرن على الإطلاق.
قرار مولانا السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ورزقه الصحة والعافية بخصوص العلاقات الاستراتيجية مع الصين كان تتويجاً للزيارة التي قام بها معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية ومعالي رئيس مجلس إدارة البنك المركزي وسعادة الرئيس التنفيذي لجهاز الاحتياطي للدولة والرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني في تاريخ ١٥ مايو 2018 وتوقيع مذكرة تفاهم بين البلدين تخلهها زيارة بعض المؤسسات المالية الصينية، ذلك يحمل مؤشرات جدية الجانب العماني ووعي مسؤوليه لأهمية التفاعل الإيجابي والمرن مع مبادرة طريق الحرير الجديد، وأهمية لعب دور نشط وعدم الاكتفاء بدور المتفرج، خاصة وأن السلطنة تعتبر أول عضو عربي ومن أوائل الدول على مستوى العالم التي وقعت في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في عام 2015، والذي يبلغ رأس ماله 50 مليار دولار أمريكي ويضم في عضويته إلى الآن أكثر من 75 دولة.
احتفال البلدين عمان والصين بالذكرى الأربعين على إقامة العلاقات الدبلوماسية وتطويرها من الجانب النظري الدبلوماسي إلى الجانب العملي هو المكسب الحقيقي، وعمان بكل تأكيد ستكون المستفيد الأكبر من هذه العلاقات إذا خصصت فرق عمل مؤهلة ومهنية ومحترفة في اقتناص الفرص وفاهمة للعقلية الصينية التي تؤمن بالأفعال ولا تكتفي بالأقوال وحضور المناسبات الدبلوماسية، ويحق لنا أن نقول إن العلاقات الاقتصادية بيننا وبين الصين وصلت إلى مرحلة النضوج، وما علينا الآن إلا مضاعفة العمل مع الجانب الصيني وتفعيل المجالس المشتركة وإعطائها مرونة للحركة ومنحها القرار الاستثماري اللازم وإزالة البيروقراطية المعيقة للتطور والتقدم، وعلى ضوء حركتنا اليومية وسلوكياتنا لتفعيل هذا البيان المشترك، إما التفعيل والاستفادة القصوى أو الارتباك الداخلي واختلاق الأعذار وترك المجال للآخرين من الدول لاقتناص الفرص بدلا عنا، فعيون الجميع متجهة إلى الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، بالإضافة إلى وجود 100 سبب وسبب لتقوية علاقاتنا وربطها مع الصين، وبتفعيل الاتفاقية بيننا وبين الصين نكون أحرزنا هدفاً اقتصادياً ثميناً.