حقّ المرأة المهضوم في الرياضة

د.فوزية البدواوي – سلطنة عمان


ما زالت ترنّ على مسامعي تلك القصة التي كان في مجملها حوا ر بين شاب يافع, ورجل في السبعين كان يسكن في الشام. كان هذا الرجل له قامة معتدلة, لم يتقوّس ظهره, أسنانه في فمه, نظره صحيح, وحواسّه الأخرى سليمة, فسأله الشاب عن السبب, وهو أمر مستغرب بالفعل أن ترى رجلا في السبعين من عمره بهذه الصحّة, فكان جواب الرجل " حفظناها وقت الصغر, فحفظتنا عندما الكبر"؛ بالفعل فكل شيء تحفظه عن السوء والمكاره وتفعّله وتقوّيه, سيبقى في خدمتك, فالعقل إن قوّيته بالقراءة, والتفكير النقدي, ومناقشة الآخرين أصبح تفكيرك سليما, والذاكرة إن قوّيتها بممارسة حفظ القرآن وغيره, أصبح حينها الحفظ واسترجاع المعلومات أمرا سهلا مستساغا, واللسان إن أطلقته في المناقشات والاجتماعات أصبح فصيحا بليغا, والجسد إن قوّيته بالأكل الصحي, وممارسة الرياضة أصبح قويا وسليما, ولا تخفي علينا المقولة المتداولة "العقل السليم في الجسم السليم", ولكننا كنساء نجد أن حقنا في ممارسة الرياضة قد تم هضمه وسلبه منا. وسأخبركم السبب.
عندما تُعامل المرأة كعورة في مجتمعاتنا المحافظة, فإنه من الواجب تعيين أماكن خاصة لها تمارس فيه حقها الطبيعي دون أن تتعرض للأضواء. حقها في التعبير عن الرأي. حقها في ممارسة هواياتها. وحقها في ممارسة الرياضة كذلك. رُبما لا يكون للمشكلة أساسا في العاصمة وفي المدن, ولكن بالنسبة للقرى, وفي ظل التوسع العمراني الذي بات يلتهم كل مساحة يمكن أن تتجول فيها المرأة بحرية أصبح للمشكلة معنى, ويجب أن تُطرح دون تردد لعرض المزيد من الحلول.
ما زلت أذكر تلك الأيام التي كُنا نتسابق فيها على ممارسة رياضة المشي بين المزارع. تتخلل جولاتنا مُصادفات وأحاديث عابرة مع النساء الأخريات, ولكن بعد تلك الشوارع التي احتلّت جميع الأراضي حتى الزراعية منها, والتي تم اختراق مساحة بعضها من أجل تلك الشوارع الداخلية التي تربط بين الشارع العام, والشارع البحري لم يعدّ المكان مناسبا لا للمشي ولا حتى التنزّه.
ثم قررنا بعدها أن نمشي أشواطا متعددة ذهابا وإيابا في مساحة صغيرة جدا تفصل بين منازل القرية وضواحيها. بدأت الفكرة في رمضان بالتحديد ليلا. إلا أن فكرة عبقرية قد قفزت لشباب القرية باستغلال تلك المساحة كملعب خاص بهم, وإنارته ليلا بأضواء (الكشّافات) ليُسلب منّا حقّنا بممارسة الرياضة مرة أخرى.
ولكن فكرتهم حينها لم تثنينا عن الأمر, فاتخذنا طريقا ترابيا آخر كممشى. هذا الطريق بقرب الشارع الداخلي الذي يصل بين الشارع البحري والشارع العام, تحجب الرؤية عنا بعض أشجار السمر والنخيل وحطام المزارع. كان الممشى الترابي يفي بالغرض نوعا ما  قبل أن نُفاجأ بتلك (العزبة) التي تقبع في إحدى الضواحي ذات السوار المكشوف من جانب الممشى الترابي، والتي يتكدّس الشباب فيها عصرا؛ ليتفرجوا على مسرحية المشي التي تدور على الممشى الترابي كخشبة مسرح, أبطالها نحن الراقصون على الرمال بخُطانا.
 شبابنا يستحلّون أي بقعة يمكن أن نمارس فيها حقّنا كنساء بالتجول والمشي. لا تسألوني أن أذهب لصالة الرياضة؛ لأن ولايتي لا تتوفر بها صالة رياضة للسيدات, ولو حدث فالمشي في الهواء الطلق ليس كمثل المشي على جهاز آلي. لا تسألوني أن أمشي على شاطئ البحر فهو حقّا مزدحم. لأنه يجمع بين نشاطات الشباب من مشي وجري ولعب لكرة القدم وصيد وسباحة وغيره.
نحن نحتاج أن يتم ترسيم الحدود حتى نحصل على مساحتنا الخاصة التي تؤمن لنا ممارسة حقنا في الرياضة وغيره.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك