ملحمة عمانية للتاريخ والأعاصير

مسعود الحمداني

(1)

جاء "جونو" في العام 2007م على "عُمان الهادئة" كطوفان نوح، دمَّر كل شيء أمامه، وهتك عرض الأرض والبناء، وفوجئ الناس والحكومة بحجم الكارثة والدمار الذي لم يحسبوا له حِسابا، ولم يتخيلوه حتى في مناماتهم، وخرج العمانيون صفا واحدا يواجهون جيوش الطبيعة على قلب رجل واحد، واستطاعوا أن يتغلبوا على أضرارٍ فاقت تصوراتهم، كنا حينها لا نزال في صدمة الإعصار الأعظم الذي واجهه الشباب طيلة أربعين عاما ربما -رغم أن "ضربات" و"الشلّي" و"الأحيمر" ليست جديدة على جيل الشيَّاب، ولهم معها ذكريات لا تنسى- أثبت الشباب حينها أن "جيل الآيباد" ليسوا كما نتصورهم، ظهروا رجالا وفرسانا امتطوا صهوة المخاطر كي تنجو السفينة.. فنجت بفضل الله.

 

(2)

اليوم.. وبعد أكثر من عشر سنوات، جاء "مكونو" جبّارٌ آخر، أشد قسوة، وقوة، في شهر الصوم، شهر الجوع والعطش، لكنه شهر الإيمان كذلك، جاء ليدمر الحرث، ويهلك النسل، غير أن الدرس الأول كان مفيدا، والشباب العمانيون أصبحوا أكثر خبرة ودربة وتجربة في مواجهة الأعاصير والكوارث، وأضحت عظامهم أكثر صلابة وقدرة على المواجهة، وعزيمتهم صارت أكثر سُمكا من فولاذ، وأرهف من حد سيف، فانتظموا في صفوف متراصة، ومنهجوا ما تعلموه من "جونو"، فما استطاع الإعصار أن يقتلع عزيمتهم، ولا أن يزعزع إيمانهم  بالقدر، فمر الإعصار بأقل الأضرار الممكنة، ولله الحمد والمنَّة.

 

(3)

نقفُ وقفة إجلال وإكبار لكل من سهر، وتعب، وبذل الغالي والنفيس من أجل إخوتهم أبناء وطنهم، ولكل من أسهم في هذه الملحمة التاريخية من أبناء عمان من شمالها لجنوبها، لشرقها لغربها، خاصة لرجالِ ونساءِ محافظتيّ ظفار والوسطى، ولأولئك الذين هبّوا للمساعدة من كل ولاية، ولم يكتفوا بالمشاهدة، ولكل من حرص أن يتواجد على مقربة من الحدث، صانعا لا متفرجا، وفاعلا لا ناظرا فحسب، والذين أعادوا للأذهان الصورة المثلىى لأبناء الوطن الواحد في المحن، وتخطوا حاجز الرهبة، ليواجهوا وحش الطبيعة المرعب، واجتازوا اختبار الوعي والمسؤولية بنجاح كبير.

 

(4)

كان رجال الأمن والجيش والشرطة والدفاع المدني، في خط الدفاع الأول، يواجهون الخطر، ويسعون في الأرض لينقذوا المواطنين والقاطنين الذين كانوا على درجة عالية من الوعي والاستجابة، ومن خلفهم كانت توقعات الأرصاد الجوية تمدهم بالمعلومة، وتزودهم بخريطة سير الإعصار، وبرزت أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة كبطلٍ يجيد لعبة الكر والفر مع الأنواء، وكانت تغطية غير اعتيادية تفوقت على نفسها من قبل رجال الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، فكان أثر النقل المباشر واللقاءات كبيرا وواضحا في تعريف الناس بما يستجد.. ولا ننسى كل الأجهزة الأمنية والمدنية التي كانت حاضرة كلٍّ في مجالها، تقف صفا مرصوصا في سبيل الوطن، وحياة المواطن؛ فنجحت عُمان بامتياز مع مرتبة الشرف في تجاوز صدمة الإعصار الذي دمر البناء، ولكنه لم يستطع أن ينسف تلك الروح الوطنية، والملحمة التي شكّلها أبناء السلطنة من أقصاها إلى أقصاها؛ ليتماهوا في هيئة رجل واحد، وقلب واحد، وجسد واحد، ويثبتوا أن إرادة الإنسان وإيمانه أكبر من أن تهزمهما أعاصير.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها من كل مكروه وشر، وشكرا من القلب لكل من شارك في تلك الملحمة الوطنية بأي شكل من الأشكال، وجزاهم خير الجزاء، ودامت عُمان بألف خير ومحبة.

Samawat2004@live.com