عبيدلي العبيدلي
كغيرها من البلاد العربية تشهد البحرين ليالي رمضانية مختلفة عن ليالي الأشهر الأخرى. ففيها يمتد السهر حتى الهزيع الأخير من الليل، في تلك الساعات التي تسبق السحور، وتحول المجالس الرمضانية إلى ساحات نقاشات ساخنة يحتد من يمارسها، وتتراوح بين الاجتماعي المحض، قبل أن تحط رحالها عند السياسي الساخن. وعند هذه الأخيرة تتوقف جميع الحوارات عند محطة الانتخابات النيابية المقبلة (مجلس 2018)، التي تترافق كعادتها مع إعادة تشكيل عضوية مجلس الشورى المعين.
نقاشات هذا العام تحاول أن ترسم معالم المرحلة المقبلة، وسمات الهيئتين، المنتخبة والمعينة، جالبة معها بعض الاستقراءات السياسية المحتملة، التي ستترك بصماته على طبيعة وأداء المجلس القادم بحجرتيه: النابية والشورى.
ولو حاولنا تصنيف جوهر تلك النقاشات، فسوف نجدها تنحصر في 3 فئات مركزية رئيسة هي:
المغرقة في تفاؤلاتها، والتي تتحدث عن تحولات كيفية ستمس صلب مقايس الانتخاب والتعيين، فتذهب إلى أن الناخب البحريني، بعد خبرة أربع دورات انتخابية متتالية، انطلقت الأولى منها في العام 2002، رآكم خبرة غنية نسبيا تبيح له التمييز بين الغث والسمين، ومن ثم، وكما تتوقع هذه النظرة، فمن المنتظر أن تشهد دوائر الانتخابات القادمة تمييزا شعبيا واضحا بين المترشحين، تميز بجرأة غير مسبوقة، بين الكفاءات وسواها ممن عانت من بعضهم التجارب السابقة. وعليه، فمن غير المستبعد أن تشهد الغرفة النيابية ميولا مختلفة واضحة المعالم، غير تلك التي خبرها خلال الدورات الأربع الماضية، لدى الناخب البحريني، تكون نتائجها نوابا مختلفين، يديرون دفة العمل التشريعي، بمقاييس مختلفة، وبآليات غير معهودة. وتذهب هذه النظرة في تفاؤلها، فتتوقع أن يحظى الشباب، من ذوي الكفاءات المميزة، بحصة لم تتوفر لهم في الدورات الأربع الماضية، دون أن يعني ذلك، كما ترى هذه النظرة، تهميش الآخرين، بمن فيهم من تجاوزوا عمر الشباب، لكن لديهم ما يقدمونه للتجربة البرلمانية البحرينية. وتخرج هذه النظرة بمعادلة من طراز جديد، تحاول أن تصهر الشباب في بوتقة المجربين، كي تأتي المحصلة خميرة حية قابلة للتطور، مفعمة بزخم الشباب، ومدججة بخبرة من سبقوهم. تقود هذه النظرة نحو برلمان من طراز مختلف لم تعهده الساحة السياسية البحرينية منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي.
المغرقة في تشاؤمها، والتي لا تكف عن ترديد "أنّه ليس بالإمكان أحسن مما كان". وتمعن هذه النظرة المتشائمة في سوداويتها إلى درجة وصولها إلى حالة قريبة من اللامبالاة، بما يمكن أن تحمله معها رياح الانتخابات النيابية المقبلة. تستحضر هذه النظرة، بشكل انتقائي غير موضوعي، كل مثالب البرلمانات الأربعة السابقة، وتبرز، بوعي أو بدون وعي، إخفاقاتها، بعد تضخيم البعض منها، أو وضعها في هيئة تقترب من الكاريكاتورية. ولا تكف هذه النظرة عن اجترار بعض الحوادث السلبية التي رافقت التجربة البرلمانية التي انطلقت في مطلع هذا القرن، من أجل إثبات ما ترمي إليه. وتصل حالة اليأس التي تعتري تفكير هذه الفئة إلى القاع عندما نسمعها تكاد أن تطالب بوقف نشاط البرلمان، وإقفال أبواب غرفته. يغيب عن أذهان أصحاب هذه الفئة أيضا ما عانت منه البحرين، إثر إغلاق برلمان 1973، والحالة الأمنية التي سيطرت على البلاد قبل أن ينتشلها منه المشروع الإصلاحي من سيادة "قانون أمن الدولة" السيء الصيت.
الفئة المتوازنة، وهي الفئة الأكثر قربا من النظرة الواعية الناضجة، الموضوعية، التي تنظر إلى التجربة البرلمانية من زاوية جدلية، وتقيّمها بالكثير من الموضوعية التي تغذيها تجربتها "تلك الفئة" السياسية الغنية التي راكمتها عبر عقود من العمل السياسي. لا تخفي هذه الفئة عيوب ممارسات النواب، ولا تغض الطرف عنهم، لكنها بالمقابل، لا تنجرف نحو التضخيم، وإسدال ستار سميك على الإيجابيات التي رافقت التجربة، رغم قصر عمرها السياسي. وتحاول هذه الفئة أن تقيم التجربة منذ انطلاقتها عندما انخرط فيها عدد من الجمعيات السياسية، والحيوية التي أمد بها البرلمان الفضاء السياسي البحريني. تصر هذه الفئة على مواصلة البرلمان نشاطاته، واستمراره في القيام بمهامه، مع الإشارة إلى عدم رضاها عن بعض تلك الممارسات، ودعوتها المستمرة المخلصة للنواب كي يمارسوا صلاحياتهم التي يمدهم بها الدستور، ويشبعوا دائرة حقوقهم التي تحميها القوانين والأنظمة، بما فيها الصلاحيات التي يتمتعون بها.
قراءة متأنية لما تفرزه هذه النظرات الثلاث من سيناريوهات محتملة تفرضها على ساحة العمل السياسي البحرينية، تجعل المتابع لحركة الشارع البحريني يتوقع هبوب رياح مرحلة مختلفة على سماء البحرين ومكوناتها السياسية. وعليه فالأقرب للواقع هو فرض محصلة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تقف وراء تلك النظرات الثلاث، المتضاربة في بعض مكوناتها، نفسها ليس على سير العملية الانتخابية ونتائجها، فحسب، وإنما أيضا على قائمة من سيتم تعيينهم في مجلس الشورى.
فمن غير الطبيعي أن تأتي تعيينات الشورى بعيدة عن النتائج الانتخابية لأعضاء الغرفة البرلمانية، وهذا بدوره يقتضي بروز عناصر جديدة تفرض نفسها على مقاييس الترشيح والانتخاب، ومعايير التعيين في مجلس الشورى من جهة أخرى.
هذا ما يجعل احتمال هبوب رياح مرحلة سياسية جديدة مسألة مرتقبة، وعلى المواطن تهيئة نفسه كي يكون قادرا على التعامل معها بإيجابية بما يضمن مجلس وطني فعال بحجرتيه، وقادرت على التعامل بحصافة ومستوى راقٍ يتلاءم مع المرحلة المقبلة، ويحل مشكلاتها، ويستفيد من الظروف التي ستفرزها.
وأي سلوك خارج نطاق ذلك سيرغم البحرين على دفع ثمن يكون المواطن هو الخاسر الأكبر فيها.