بين صوت مدافع الإفطار وبنادق الموت

 

مسعود الحمداني

 

يأتي رمضان غضبان هذه المرة، وهي ليست المرة الأولى التي يأتي بها بهذه الصفة، يأتي محملا بأنهار الدم، وقرابين الموتى، وتفكك الأمة، وهدير الأصوات، وقلة الأفعال، يأتي ومعه نستشعر ضياع القدس، وغياب الفعل العربي والإسلامي، يأتي والعرب يتكالبون على بعضهم، تأكلهم الأمم كالقصعة، ويركلونهم كالكرة، في محاولة مستميتة للبحث عن أنفسهم، وكراسيهم، تاركين وراءهم إرثا من الشعائر، والعبادات التي لا يحسنون حتى قيامها، وجلوسها..

دماء عربية تجري في سكك الموت، في فلسطين واليمن وسوريا وليبيا والعراق وأفغانسان وبورما، وغيرها في مشارق الأرض ومغاربها، بعضها بأيدي (عمرو)، وأكثرها بخناجرهم ونصالهم وبنادقهم ودباباتهم، لا غرابة في ذلك.. فنحن الأمة الوحيدة التي (تنتحر) فتقتل نفسها بنفسها، تحركها الدول الكبرى بـ(الريموت كنترول) ويوجهونها القبلة ليذبحوها وهي تجر نفسها جرا إلى نهاياتها بهدوء دون أن تصدر صوتا، ويبتزونها، فيدفع الرؤساء الأموال الطائلة لا ليوجهوها إلى إسرائيل كما كانوا يدّعون، بل ليصوبوها إلى صدور أخوتهم من الملل والمذاهب الأخرى، لمجرد خوفهم من تغوّل الآخر، وشراسته، فأصبح المذهب الفلاني فزاعة الدول، وخرافتهم، بها تستعبد الشعوب، وعن طريقها يتم إعلان حالة التأهب القصوى، والاستعداد الدائم للقتال والقتل لبني جلدتهم، وإخوة دينهم المخالفين لهم في الرأي والمعتقد.

لم يعد الغرب بحاجة إلى فعل الكثير لكي يحافظ على تواجده وتفوقه في منابع النفط، بل أصبح لديه الحل السحري لكل مشاكله المادية والاقتصادية والدينية فبمجرد ذكر كلمة (الإرهاب) تتحرك جيوش العالم للفتك بهذا العدو المجهول الذي زرعوه، وربّوه في عقولنا قبل أن يخرجوه من كهفه المظلم، وينشروه في طرقات المدن، ثم يحاولوا استئصاله، ثم يعيدوا الكرة مرة بعد مرة.. لكي يبقى العدو المزعوم مختبئا إلى حين يراد له الخروج..

يأتي شهر رمضان ومسلسلات العنف والقهر والجوع والبطش تدور بكؤوسها على رؤوس الأقوام العربية والإسلامية، ويصبح العرب مشكلة أنفسهم، فلا الأموال وُجهت للتعمير، ولا رآها المواطن، ولا غيّرت شيئا من حياته البائسة، فالنفط أصبح نقمة الخليج، والخوف من العدو المذهبي أصبح الشماعة التي يعلقها البعض لقتل البعض الآخر، وبها تلتحف السلطة، ومن خلالها تحكم وتتحكم، وعبرها تستتر من المستقبل، ولا تكاد تخرج راسها إلا بمقدار ما يخفيها عن عيون الحقيقة والمواجهة الفكرية.

لا يكاد الكثيرون يفهمون هؤلاء المسلمين الذين يدعون إلى السلم، وإلى تسيّد العالم، ويصلّون إلى رب واحد بخشوع، ويصومون بتضرع، ويحجّون من كل حدب وصوب إلى بقعة مباركة واحدة، ثم يقتلون بعضهم، ويخوّنون بعضهم، ولا يثقون ببعضهم، ولا يتركون منكرا إلا فعلوه، ولا جريمة إلا أحصوها، فأي تناقض وانفصام نعيشه؟ وأي إسلام نريده؟.. وأي مستقبل نسعى إليه؟.. ونحن محمّلون بكل خطايا الكون، وأيدينا ملطخة بدماء أخوتنا، ومؤامراتنا على دولنا لا تنتهي، حتى لنكاد نقضي كل حياتنا ونحن نصارع المجهول الذي لا نراه إلا حين يريد العدو ومعاونيه أن نراه..

يعود شهر رمضان (المبارك) كل عام بتهانٍ عظيمة، ودعوات بنصر الأمة، وينتهي بمباركات أخرى وتهانٍ كثيرة..وبين التهنئة الأولى والأخيرة ينام مليون مشرد ولاجئ وجائع ومغتصب ومقتول بيد الصائمين الورعين، ولا يفطرون إلا على صوت (المدافع)، وهدير الموت.

Samawat2004@live.com