إلى.. أشرف فياض: يا أخي في زراعة الموسيقى


شعر: عبد الرحمن تمام

 

أعرف رجلاً
كلما جلس قُبالة البحر
بات يهش النوارس التي علقتْ بأعضائه
وإن أبصر الرب في حديقة البيت
ملأ حزامه بالشراشر
وحيداً مثل محراث صدئ
أعزلَ إلا من دغل حناجر مشروخة ونسغ العابرات
ذات مرة
وأنا أطلّ عليه خلف جدرانه الناشعة
وفيما يهدهد تحت قميصه بَرّيّة
ويشطف ثعالبها التي ربّاها لتعضّ غيم القلب
قال:
من هنا يا أخي
رأيتُ "فينسنت" يشعل مصباحه الكيروسين
لآكلى البطاطس
ولما أتعبه التحديق في الفراغ
عصر حنجرته قبل أن يقطع شحمة أذنه
فنزّت الألوان
شرب كثيراً حتى شاهدت بعينيّ جنّية خضراء
تطلق العصافير من صدره نحو بلاد الشمس
و"لوركا"
إذ ذهب مغاضباً
يفتش عن صديقه القديم في فضاءات مختونة
ليوصيه بفتح النافذة لبلشون وحمامة سوداء
بينما أغانيه الغجرية تنط من جيب معطفه
لتركض معه تحت سماء غرناطة
كيف طاق القمر رصاصةً تبخ شظاياه في صدغه
كيف طاق أن يسكت الوسيم
عن الغزل والثورة
**
كان المسكين يقرأ_ بعينين دامعتين_وفي الربذة
وبشّر الكانزين بمكاوٍ ورضف
_ يا "ناظم" أموت وحدي هكذا على قارعة الطريق؟!
وقتها ربت العملاق ذوالعينين الزرقاوين على كتفه
وأسرّ:

المنفى شصُّ
والوطن زورق مقلوب
لكن اعلم يا رفيقي أنك أنت البحر

**
رأيتُ "سيرغي يسينين" يخط بالدم
(ليس جديداً أن نموت فى هذه الدنيا)
و"رامبو"
حين قال لفتاه آتنا غداءنا
لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا

"أخماتوفا" بكتني
"الخنساء" علّقت نعلي في خمارها
وفي فضاء أخف من العزلة
أمسكتْ "ديكنسون" بيدي
حتى دعتْ لنا "مايا" أن يناسبنا الجناح
و"بهرنكي" و "كفافيس" إذ يحكمان في الحرث
إذ نفشت فيه غنم القوم
وكنا ...
وكان "بيسوا" يرتُق اللاطمأنينة
تحت سماء
لم تتخلص تماماً من الباركنسون والأفازيا

فيا أخي في زراعة الموسيقى
مر المتعبون من هنا
ونحن لا نُدجّن الرؤى كالأنبياء
قصصتُ فأنبئني الآن و قل لي
إذا مات شاعر
من يرمم هاتيك الشروخ
و كيف يحتمل العالم كل هذا

الــــــــــ
ب
ي
ا
ض

الآسن؟!

 

تعليق عبر الفيس بوك