من إشكالات التاريخ إلى بناء العقل المستقبلي

 

د. يحيى أبوزكريا

تسبب حديث افتراق الأمة إلى فرق ومجموعات كلها في النار إلا واحدة في تكريس عقيدة الاستئصال والإقصاء والتكفير والقتل أيضا، وساهم حديث الفرقة الناجية الذي كذبه الكثير من العلماء الشيعة والسنة في التأسيس للتشرذم والتمترس والمذهبية.. طبعا هذا الحديث مروي من طرق كل المدارس الإسلامية وتحديدا في مدرسة أهل السنة والجماعة وقد رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وهم من المتساهلين في التصحيح ومدرسة أهل البيت حيث رواه  الصدوق في خصاله... والعلامة المجلسي في بحاره وقد ذكره المحدث الترمذي ونصه بإسناده عن عبدالله بن عمروقال: قال رسول الله "ليأتيَنّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل.. وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على اثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمّتي على ثلاثٍ وسبعين ملّة، كلّهم في النّار إلا ملّةٌ واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي.. وكما يقول أهل التحقيق والتدقيق فهذا الحديث روي عن أبي هريرة مرفوعاً وفي إسناده محمد بن عمروبن علقمة وهو ضعيف. قال يحيى بن سعيد ومالك: ليس هو ممن تريد وقال ابن حبان: يخطئ وقال ابن معين ما زال الناس يتقون حديثه. وقال ابن سعد يُسْتَضْعَف.. والسؤال الخطير كيف لأمة أن تؤسس للصراع والفرقة والمذهبية والتكفير انطلاقا من حديث ضعيف متنا وسندا ويخالف جملة وتفصيلا روح القرآن ونصه: وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ كما قال الحنان المنان.. كما أنّ حديث الافتراق يخالف ما ذهب إليه البخاري ومسلم، ففي البخاري إنّ الله حرّم على النار من قال أن لا إله إلا الله يبغي بذلك وجه الله". وفي لفظ مسلم: "لا يشهد أحدٌ أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، فيدخل النار أوتطعمه". ويخالف ما قاله الإمام علي بن موسى الرضا فخر مدرسة أهل البيت عليهم السلام قال الله تعالى لا إله إلاّ الله حصني فمن دخل حصني أمِنَ من عذابي.. وكثيرا ما كان أساطين الدوحة النبوية يقولون: أكثر ما يدخل الجنة: تقوى الله، وحسن الخلق.. وللإشارة فإن حديث إفتراق الأمة يروج البعض أنه متواتر وهو مخالف للحقيقة، فلا يؤدي استحضار الحديث في كل مرة ومرارا وتكرارا إلى جعله متواترا صحيحا.. رواية ضعيفة باطلة تقلبت فى بطون الكتب طوال قرون وكانت السبب في صناعة الفتن الكبرى في التاريخ والراهن وفي المستقبل ما لم نصحح موروثنا.. والذين أشكلوا على الحديث عقليا قالوا إن وظيفة الرسول هو توحيد الأمة والعمل على التقريب فيما بينها لا إيجاد مبرر لتفرقها وليس من حق النبي التمييز بين الفرق الإسلامية حتى لا يحصل التنافر بينهم والتناحر حتى لو كان ذلك على حساب الحق والإنذار لهم بمصيرهم في الآخرة.. وهذه القاعدة العقلية تنسجم مع القرآن قلبا وقالبا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ..

ومما يشار إليه أن معظم الإنتاج المعرفي الإسلامي ومعظم المؤلفات الإسلامي تعالج الماضي وترسباته والتاريخ ومسالكه المزورة، وقلما تجد كتابا يعالج المستقبل ويستشرف القادم من الأيام.. نحن أمة مسكونة في الماضي، ولا وجود لنا في المستقبل..

وقد بات لزاما علينا أن نتوجه للمستقبل خروجا من كمائن التاريخ ونؤسس للسلام العربي والإسلامي والعالمي على قاعدة الأنسنة والإنسانية ونصرخ بأعلى أصواتنا نعم للسلام والاستقرار في كل العالم العربي، نعم للأمن القومي العربي، نعم لاستقرار الدول العربية، نعم لأمن الشعوب العربية، نعم لأمن المشرق العربي ومغربه، نعم لأمن الخليج العربي، نريد عالما عربيا بلا حروب ولا كراهية، فكروا يا صناع القرار بشعوبكم وأجيالكم المقبلة.