منظومة تجاوزها الزمن

علي المعشني

 

لا أُخفي فرحتي واحترامي لقرار وزارة الصحة الأخير، والقاضي بقبول الدفع النقدي بالتوازي مع الدفع ببطاقة الائتمان في جميع المرافق والمنشآت الصحية الخاضعة لمسؤولية وزارة الصحة؛ تيسيرًا على المراجعين.

وسبب فرحتي واحترامي يعود إلى أن القرار يحمل دلالات ومؤشرات فهم فلسفة الخدمة بالمفهوم العصري، والتي تعادل في أهميتها وهُويتها السلعة بالتعريف الاقتصادي، هذه السلعة التي تقتضي المصلحة حفها بكافة أسباب الجذب لترويجها بين الناس، واتساع مساحتها لتستقطب أكبر شرائح من المجتمع بسلاسة وارتياح.

لو قُدِّر لحكومتنا الرشيدة أن تقوم بحصر كافة خدماتها المقدمة للجمهور "بأجر"، ثم بوضع تصورات عملية لتطويرها وتحسين جودتها، واعتبار كل خدمة بمثابة سلعة تعود بنفعها على الصالح العام، وتعزز من موارد الدولة، بسرعة الإنجاز وتقليل الاشتراطات، لتدفقت الملايين من الريالات على خزانة الدولة دون الحاجة لرفع رسم واحد ولا ابتكار رسوم جديدة.

اليوم.. توجد في بلادنا عشرات المعاملات المدفوعة بمقابل مالي، وبسبب الروتين القاتل والاشتراطات غير المنطقية أَحْجَم الكثير من الناس عن خوض تلك المعاملات، واكتفوا بالضروري منها فقط، وهذا بحسابات الدولة العصرية بمثابة تراجع خطير للموارد والعوائد المالية المتوقعة، والتي تقوم عليها دول وتنميات. لهذا لجأت حكومتنا الرشيدة الى خط السير العكسي والمضاد برفع الرسوم وبطرق غير مدروسة تسببت في رفع السخط وتأليب الرأي العام سلبًا، إلى أن اضطرت الحكومة إلى تأجيل العمل بها لشهر يونيو المقبل.

وفي يونيو المقبل، ستبقى الظروف والمسببات قائمة، وسيكون خيار الحكومة للتراجع قائمًا، ما لم تلجأ إلى المراجعة، وتعي أهمية تحسين جودة خدماتها لتحقيق عنصر الجذب لها، وضمان تدفق الرسوم عليها بصور فاعلة ودائمة وبوتيرة تصاعدية.

لا أفهم ولا أعلم عن مصلحة الوحدات الحكومية في تكرار طلب كل وحدة منفردة لذات الوثائق لإنجاز معاملة يشترك في إنجازها عدد من الجهات!! فلماذا لا تعلم وتكتفي الوحدات بما تم طلبه من الوحدة الأولى، وتضيف عليه حاجتها الفعلية من تلك الوثائق، هل هي أزمة ثقة بين مؤسسات الحكومة، أم سوء تنسيق وغياب منظومة الفريق الواحد في عمل الحكومة؟!

في الوقت الذي نسعى فيه جادين وجاهدين للسيطرة على نسبة أعداد الوافدين، وعدم إخلالهم بالمنظومة الديموغرافية للبلاد، تُشرِّع الحكومة قانون أحقية جلب الوافد لأسرته ممن تصل رواتبهم لسقف 300 ريال فأعلى، دون النظر إلى أهلية البُنى الأساسية للبلاد من طرق وخدمات ماء وكهرباء وهاتف ومعمار وبحث إمكانية استيعابها من عدمه لسقف رقم محدد من ذلك التدفق البشري المرتقب، ولا خطورة ذلك على التركيبة السكانية، بل ولا الحكمة من هذا القرار في هذا الظرف الاستثنائي الذي لن يدوم!

كُنت أتمنى وأتوقع أن تقوم الحكومة بحصر أعداد العمالة الوافدة بفئتيها السائبة والعاطلة، ثم تقوم بتصحيح أوضاعها القانونية وفق المصلحة العامة، وإعادة تدويرها في سوق العمل، بل والعمالة المنزلية كذلك. فكُلنا يعلم أن هناك الآلاف من العمالة الوافدة السائبة والعاطلة، ويعلم في المقابل سعي الحكومة للحفاظ على نسبة العمالة الوافدة بمجملها في البلاد، ولكن ما ليس مفهومًا ولا معقولًا أن يستمر فتح باب جلب العمالة الجديدة دون السعي لإصلاح أوضاع العمالة الموجودة.

كلُّ ما نحتاجه اليوم -في تقديري- لتفعيل الأداء الحكومي والارتقاء به، وتحسين جودة الخدمات وتحقيق العائد المادي والمعنوي المرجو منها، هو تكليف كل وحدة حكومية بمراجعة مهامها ومنجزاتها منذ نشأتها وفق مرسوم مهامها، وبالتواصل والانفتاح مع المعنيين والمختصين، ثم وضع تصور ورؤية شاملة لتحسين أدائها، والارتقاء بخدماتها، بالتناغم مع منظومة الحكومة، وبما يخدم الصالح العام، ويحقق طموح الوطن وأبنائه. حيث لا يُعقل أن نقفزَ نحو حلم الحكومة الإلكترونية في ظل إخفاقنا في عهد الحكومة الورقية، ولا يُعقل أن تنجح في إداراتنا النقطة الواحدة أو غيرها من الشعارات إلا بوجود حكومة واحدة متناغمة أولًا في الإجراءات والتشريعات. ولا يُمكن أن ينجح أو يثمر أو يتحقق التواصل الحكومي المتناغم مع طموح التنمية المستدامة والشاملة، إلا عبر سياسة الأبواب المفتوحة للمسؤولين، وقبلها العقول والقلوب المفتوحة والآذان الصاغية للنقد البناء والتوجيه والاقتراح.

فلا يُعقل أن يُترجم النهج السامي لجلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- في جولاته السنوية والبرلمان المباشر المفتوح إلى أبواب موصدة اليوم وحوار طرشان ومرفق خارجي معزول يسمى مبنى خدمة المراجعين!!.. وبالشكر تدوم النعم

----------------------------

قبل اللقاء: فيما كانت بلادُه تخطِّط لمضاعفة عدد السياح من 13 إلى 26 مليون سائح سنويًّا خلال خمسة أعوام، أصْدَر وزير السياحة الماليزي قرارًا يقضي برفع التأشيرات عن حاملي الجنسية الصينية؛ مما تسبب في دخول 14 مليون صيني في غضون شهور معدودة ليرتفع عدد السياح في ماليزيا إلى 27 مليون سائح خلال أقل من نصف العام. فتساءلتُ في نفسي أين نحن من هكذا قرارات إجرائية ذكية تعود علينا بالنفع العظيم دون إنفاق أو طقوس أو مراسم؟!

Ali95312606@gmail.com