الشعور الزائف بالنجاح

 

حميد بن مسلم السعيدي

الإنسان بطبعه يرغب في تحقيق النجاحات والوصول إلى الأهداف التي يطمح فيها، وربما التنافس للحصول على الكثير من الاستحقاقات، وأحياناً يسعى بكل ما يمتلك من قدرات للوصول إلى الغايات التي يرغب في تحقيقها، ولكن ليس كل الإنجازات تُعد نجاحاً، وليست كل المراكز جاءت نتيجة للجهود المُتميزة، وليس كل الشهادات كانت وفقاً للمعايير، وليس كل الترقيات جاءت نتيجة للعمل المخلص، حيث إنَّ كل ذلك ينكشف أمام اختبار المحك، وأمام الواقع الحقيقي بعيداً عن تزييف الحقائق، فتجد أنَّ الرؤية تصبح أكثر وضوحاً، وتصبح النتائج الحقيقية لا وجود لها، وحينها يخسر الوطن الكفاءات التي يفترض أن تحصل على هذا الاستحقاق.

فأعتلى المناصب والوظائف أفراد لا يمتلكون المواصفات والمعايير التي تؤهلهم لذلك، وإنما من خلال وسائل متعددة وأساليب مهدت لهم الحصول على تلك الاستحقاقات، ولكن عندما يكون في الواقع تصبح المنتجات ضعيفة وهشة وتتساقط أمام أول الاختبارات الواقعية، فيصبح واقع المؤسسات قائماً على الإخفاقات والسقطات المتتالية، وتصبح الشكوى والبحث عن الأعذار عنوانا على قائمة الأبواب، في حين أن سبب الإخفاق يعود إلى فقدان المعايير وعدم القدرة على الإبداع، حيث إن طريق الوصول كان سهلاً ولم يكن وفقًا للمسار الذي عبره الآخرون.

هنا الخاسر الوحيد هو الوطن والمواطن الذي يبحث عن المستقبل من خلال هذه المؤسسات التي يناط بها النهوض بالوطن، ولكن اليوم نمر بذات المنهجية التي لم تتغير في الكثير من المؤسسات التي ظلت عاجزة أمام تيارات المستقبل، حيث ظلت حبيسة لذات المستوى دون تغير، بل تراجعت كثيرًا، وفي ذات الوقت نجد العالم يتسابق ويتنافس على الاقتصاد والمعرفة والتكنولوجيا، ونحن ما زالنا عاجزين عن معالجة أبسط القضايا والتحديات، في حين توفرت لنا كل الموارد الطبيعية والبشرية القادرة على إدارة التغيير والتطوير، وفي ذات الجانب هناك دول لم تتوافر لها أبسط الظروف، ولكنها تحدت الواقع وشمرت عن العمل المخلص واعتمدت على الكفاءات الوطنية فكانت النتيجة أنها اعتلت منصة التتويج وأصبحت من الدول المتقدمة بل حصلت على نصيبها من الاقتصاد العالمي، وهذا هو الفرق بين من يُركز على صناعة المستقبل، وبين من يركز على صناعة ذاته.

حيث أصبح تزييف الحقائق وبهرجة الإخفاقات أبرز صفات العمل الناجح، حيث نحاول أن نبرهن للآخر أننا في المسار الصحيح، ولكن الواقع مؤلم جداً، فالتنازل عن المعايير التي اعتمدناها في البداية والتراجع عنها في النهاية، وهذا الأمر يذكرني بالتوجيهات التي تأتي نهاية العام برفع نتائج نسب النجاح والتلاعب بالنتائج من أجل المصلحة الخاصة لا أكثر، واليوم أصبح الأمر أكثر شيوعاً من قبل، وأصبح التنازل عن المعايير سمة للكثير من المؤسسات، ونراهن على العلاقات الاجتماعية والتودد وتمجيد الشخوص صار سبيلا للبعض للوصول للغايات النافذة دون تحقيق شيء يذكر لصالح الوطن.

فالنجاحات العابرة والتي لا تمثل الواقع، وجاءت نتيجة لمغالطات معينة، سرعان ما تتساقط عندما توضع أمام الواقع فتنكشف العديد من الوجوه وتصبح جزءا من الأمل الضائع، فهي لا تستطيع أن تقدم شيئا، ولا تستطيع أن تتنازل عما وصلت إليه، لذا هم يحتفلون بالنجاحات التي لم تكن إلا تزييفا للحقيقة، أما المنتج أو المخرج فهو بعيد عن المواصفات والمقاييس التي يفترض أن تنطبق عليه، لذا فأقرب ما نقوم به هو الشعور الزائف بالنجاح.

هذا الأمر الذي ينطبق على المؤسسات والأفراد يذكرني بالكثير من المشاريع الوطنية التي لم تستطع حتى اليوم أن تجتاز مرحلة العبور، وتحتاج لزمن طويل حتى تصل لمرحلة الإنجاز، وربما علينا الانتظار لمرور جيل حتى نشهد ذلك التغير الذي يتحدث عن النجاحات الحقيقية، فيأتي التعليم كأحد المشاريع الوطنية التي يلتمس منها الوطن التغيير في الحاضر والمستقبل، فسنغافورة ذلك البلد المنفرد عن البلد الأم استطاع أن يحدث التغيير خلال فترة وجيزة عبر بوابة المدرسة، وتلك الدولة التي تعاني من الصراعات والحروب كوريا الجنوبية استطاعت أن تصنع الحداثة والتكنولوجيا عندما قررت العبور من خلال بوابة المدرسة، وفنلندا التي أصبحت ضمن ركب الدول المتقدمة كان مدخلها هو التعليم، والهند تلك الدولة التي لا يمكن الحديث عن التحديات والمشكلات التي تواجهها تصعد اليوم نحو الدول الاقتصادية العظمى وفقا لمنهجية واضحة من خلال سلم المدرسة، وهنا نمتلك كل شيء الموارد الطبيعية والبشرية ولكننا لا نستطيع أن نعبر تلك البوابة فما زالت مغلقة بانتظار من يمتلك المفاتيح التي تستطيع أن تحدث التغيير الحقيقي.

وهذا لا يعني أننا لا نمتلك الكفاءات الوطنية القادرة على إدارة التطوير والتغيير فهناك مؤسسات تولى قيادتها رجال استطاعوا أن يكسبوا ثقة جلالة السلطان قابوس وتحقيق الإنجازات وإحداث التغيير الذي يشهد به المواطن اليوم، وفتح مسار التقدم في مؤسساتها وأفرادها مما خلق جوا من العطاء والإخلاص نتج عنه الشعور الحقيقي بالنجاحات.

فهناك فرق بين أن تحتفل بمسابقة قدر لها الرحيل بعد ثمانية وعشرين عامًا من العمل والتكلفة المادية والبشرية، دون أن يكون هناك نتاج على الواقع، بعد أن صدر الحكم من الحقل ألا مجال لاستمرارها في ظل الإخفاقات المستمرة والنتائج العكسية، وفرق بين مؤسسات تصنع النتائج المشرفة التي يشهدها المواطن، ويستفيد من خدماتها، وهذا الفرق هو الذي يوضح الفرق بين النجاح والفشل.